مكتبة الأدب العربي و العالمي

البائع_نديم

كان أحد السّلاطين مستغرقا في النوم و رأى حلماً غريباً، فأفاق مذعورا، والعرق يتصبب من جبينه، فأمر الحكماء والعرافين بالاجتماع، وقال لهم :لقد جاءني رجل أبيض اللحية في المنام، وقال لي :اسمع يا رجل نصيحتي إليك : لا :ثم لا ،ثم لا !!! فتعجبت من ذلك ،وألححت عليه ليدلني عن شيء أفهم به كلامه ، فأجاب :أنظر في نفسك، وستعرف الجواب !!! ثم أدار لي ظهره ،ومشى في حاله ،والله إني أخشى أن يحدث لي شرّ إن لم أعرف مقصد ذلك الشيخ، ولقد أمضيت كامل الليل أفكّر، وأقلّب الأمور، وأنا في غاية العجب، فلم أجد شيئا يريح بالي ،فبدأ الحكماء يعطون تفسيراتهم وكل واحد يقول شيئا حتى انزعج السّلطان ،وأمرهم بالانصراف جميعا، فلقد زادوا في قلقه ،وطلب من الوزير أن يجد له تفسيراً مقنعا ،وإلا ضرب عنقه، فطلب منه مهلة، لكن السلطان قال: ثلاثة أيام لا غير ،هل فهمت ؟‏
ومضى الوزير إلى بيته مهموماً يسأل، ويسمع الأفكار، ويناقشها، وهو لا يستقر على قرار، وظل على هذه الحالة طوال ثلاثة أايام دون أن يصل إلى تفسير معقول، فما كان منه، إلا أن خرج من بيته، يجرّ قدميه جراً، وهو لا يعرف ماذا يفعل؟ هل يعتذر إلى الملك؟ أم هل يسأله مهلة جديدة؟ وكان يمشي قلقا، متعثر الخطى، مطرق الرأس لا يرى ما أمامه، ، وإذا بفتى يعترضه، ويسأله إن كان قد تاه ،ويبحث عن طريقه ، فنظر الوزير إليه، مندهشا لجرأته، فلم يعرف ماذا يقول له فأعاد عليه الفتى السؤال، ، فوجد الوزير نفسه يبوح بما في نفسه ، فحدثه بأمر الحلم، وانشغاله بتفسيره، فأبدى الفتى دهشته من الوزير، وتساءل، كيف يشغل نفسه بشيئ سهل ، ثم قال له: أوّلا ،العدل يحبه الله والظلم لا ، وثانيا ،عقلك يعجبك، عقل غيرك لا،‏ ثالثا ،إسمع من يبكي عينك، ومن يضحكك لا !!! تعجّب الوزير لروعة التفسير، وأسرع إلى قصر السّلطان دون أن يودّع الفتى، أو يكافئه حتى بدرهم على ذكائه ،وأراد أن ينسب الحلّ له .
ولمّا دخل على السّلطان، أخبره بتفسير الحلم، وهو مزهو بنفسه، فأعجب الملك بالتفسير أيّما إعجاب، وعزم أن يجعل نصيحة الشيخ أساس حكمه ،ولكنه شك أن يكون الوزير هو صاحب التّفسير، وأمره أن يفصح من أين أتى به، وحاول الوزير التملص ، ولكنه في النهاية حدّث السلطان بأمر الفتى، وروى له ما حصل معه، فأمره بإحضاره، فاستغرب الوزير، فهو لا يعرفه، بل لو رآه فلا يذكر وجهه ، ولكنه لم يجد بداً من الطاعة، فطلب من السّلطان أن يمهله ثلاثة أيام.‏ورجع الوزير على الفور إلى االزقاق الذي صادف فيه الفتى، ونظر حوله، فرأى مقهى، يطل على الحيّ، فقعد فيه ، وأخذ يراقب المارّة، لعله يرى ذلك الفتى، ومضى اليوم الأول، دون أن يظهر ، فقلق الوزير، ومر اليوم الثاني، ، فازداد قلقه، وخاف من غضب الملك، ومر اليوم الثالث، من غير أن يرى أحداً له هيئة ذلك الفتى، فما كان منه إلا أن مضى إلى قصر الملك، يقدّم رجلا ويأخر الأخرى، وهو لا يعرف ماذا يفعل؟‏
وبينما هو يسير في الطريق ، منقبض النّفس، وإذا به يجد ذلك الفتى، وإسمه ربيع أمامه، فذهل الوزير، لهده الصدفة العجيبة، وأعلمه بأنّ السلطان يودّ رؤيته، وأسرع به إلى القصر، من غير أن يحدثه بشيء، والفتى يسير بجانبه، وهو يتساءل لماذا يريده السّلطان؟ فما هو إلا بائع فقير في سوق دمشق.‏ ولما دخل الوزير القصر، أعجبت الجواري بنظافة الفتى ووسامته ،وحتى السلطان راق له حسن منطقه ،وسرعة بديهته حينما تكلم معه ،، ثم جاء الخدم بطعام فأكل مع الوزير ومع ذلك الفتى، ولم يكفّ ربيع عن رواية النكت المضحكة ،فانبسطت نفس السّلطان بعد ما عاناه من قلق بسبب ذلك الحلم ومنذ ذلك الحين غدا الفتى نديم حاكم الشّام لا يأنس إلا به ويشاوره في كثير من أمره، ويبوح له بأسراره، حتى حسده الوزير على مكانته وهو لا ايزال فتى يافعا، وبمرور الوقت عرفه أفراد الحاشية، وصاروا تستدعونه في حفلاتهم ،ومجالس طربهم وأنسهم، لما لديه من نكتة ،وخفة روح ،ولم يزد ذلك الوزير إلا بغضا فهو الذي وجده في الشارع ،وأتى به إلى القصر ليصبح سيدا عليه ..

يتبع الحلقة 2

#البائع_نديم

عن قصص وحكايا العالم. الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق