مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية الصّياد والملك وبنت منصور وراء السّبعة بحور قصر الأميرة النائمة ( الحلقة 7 )

حينئذ أعلمه الطائر كيف يفتح باب القصر ،وفهناك قفل فوقه نقش أسد ،وعليه أن يصيبه بسهم ،وكلّ مرة يخطئ الهدف سيغوص في الأرض حتى تبتلعه ،إقترب الصّياد ،ووضع سهما في قوسه ،لكنّه حين همّ بالرّمي طار أمامه غراب، فسقط السّهم، وأحسّ بنفسه يغوص ، لركبتيه .ثم حاول مرة ثانية لكن جرى ثعلب بين قدميه ،وأخفق في رميته، فغاص حتى حزامه. ولذلك بقيت له محاولة واحدة فقط ،.فتوكّل على الله وأفرغ ذهنه ، فأحسّ بنفسه وحيدا لا يوجد أمامه سوى الهدف ، ثم أطلق السّهم بقوة ،فصفّر في الهواء وأصاب النّقش .فانفتح الباب، ولفظت الأرض الولد، فمسح عن نفسه التّراب ،ودخل القصر، فإذا  هو من ذهب وأعمدته من الزّبرجد ،وفيه أصناف الأشجار والرّياحين الملوّنة ،وكلّ ما تشتهيه النّفس، وما يذهل الخاطر ويفرح القلب .لكن سُكانه كانوا في سبات عميق، وهذا من سحر الأميرة غالية فهي تستيقظ عاما وتنام عاما .
تجوّل نسيم في البستان حتى وصل إلى شجرة فيها التفّاحات التي تفوح ، ،فجلس وأكل واحدة ،فزال عنه التّعب والجوع والتأمت جراح فخذه ،ورجع إليها لحمها، فأخذ ثلاثة تفّاحات رماها في جرابه،.ثم دخل جناح الأميرة النائمة ،فبهره جمالها الفتان، وترك لها رسالة يخبرها فيها بزيارته ،ويستأذنها في أخذ تفاحاتها. ثم غادر القصر، ورجع للطائر الذي كان في إنتظاره . فهنّأه على سلامته ،ثم طار به إلى عشّه فشكره الصّياد وركب فرسه إلى الميناء ،فوجد الفرسان جالسين،ولمّا رأوه قادما جروا إليه بلهفة ،وقالوا :هل التفاحات معك ؟ فأخذ واحدة، ثم قسّمها إلى أربعة، ورماها للكلاب الجرباء ،فشفيت من حينها ،ولم يعد في الدّنيا أجمل منها لونا ، ثم أخذوا ورقا ،وكتب له كلّ واحد عقد بيع لبستانه ،وبعد ذلك أخذوا التّفاحات والكلاب ،وراحوا إلى القصر ،وفي الطريق مرّوا بكوخ نسيم ،الذي سبقهم في الرّجوع، فأشبعوه سبّا وشتما ،وقالوا له :سيصبح لنا شطر المملكة ،وحينئذ سنطردك من أرضنا !!!
ردّت الأميرة دلال: لن نبتعد من هنا ،وأروني ما أنتم صانعون !!! لمّا وصل الفرسان للقصر، تعالت الهتافات والزّغاريد بقدوم الأبطال ، وأخذت رقيّة تفّاحة، وطبختها في الماء ،ثم سقت الشّراب لزوجها ، بعد دقائق فتح عينيه ببطئ ،فرأى إمرأته تحملق فيه بدهشة ،فقال لها : ما بك يا رقيّة ؟ أجابته : الحمد لله على سلامتك ،لقد خفت أن لا تستيقظ أبدا ،هذه المرّة سنقبض عن تلك الجارية ،ونعرف السّر الذي وراءها .بعد أيّام أقام السّلطان وليمة عظيمة، إستدعى فيها أهله ،و الفرسان ،وزوجاتهم ،وكبار أهل المملكة ، ووزّع العطايا والصّدقات ،وأطعم الفقراء ،ثم قال لرقيّة : سنفتح عيوننا جيّدا فالمأكّد أنّ تلك الجارية ستدبّر لنا مكيدة هذه الليلة !!! وعلى المائدة تباهى الفرسان بقوّتهم ،أمّا بنات عمّ الأميرة دلال ،فتغامزن عليها وزوجها الجبان ،وإفتخرن أنّ أزواجهن أنقذوا المملكة من الثعبان، وذهبوا لآخر الأرض لإحضار الدّواء للسّلطان ومن تزوّج الشّجعان يزداد هيبة وتشريفا أمّا من تزوّج ضعيفا فتقلّ مرتبته .
كانت دلال تسمع ،فنزلت دموعها عن خدّها ،فالتفت إليهنّ نسيم ،وقال بصوت مرتفع: ألم تسألن أزواجكن عن سبب تغطية آذانهم ؟ أطلبوا منهم خلع عمائمهم إن كانوا حقا من الشّجعان !!! أمّا الفرسان فقد أحسّوا بالحرج ،واستأذنوا بالإنصراف ،لكن السّلطان ،قال :ويحكم ها إخلعوا عمائمكم لأرى ماذا تخفون تحتها ،نظر الفرسان إلى بعضهم ،وبدأوا في خلعها الواحد تلو الآخر ،وضحك الحاضرون لمّا رأوا أن شحمة آذانهم مقطوعة ،سأل السّلطان نسيم من أعلمك بسرّهم ؟ أجاب : أنا من فعل ذلك يا مولاي !!! ثم رمى صرّة صغيرة على الطاولة ،أنكر الفرسان ذلك و،قالوا له أنت أعجز من ترفع سيفك في وجوهنا ،فقال : وظهوركم من كواها بالحديد ؟ سألهم السّلطان هل هذا الكلام صحيح ؟ فتلعثموا ،وقال أحدهم: نعم ولقد حدث ذلك أثناء مهمتنا لإحضار التّفاحات ،لكن نسيم أخرج أوراقا من جيبه ،وقال: ألم تبيعوا بساتينكم مقابل كلاب جرباء لتحصلوا عليها ؟
في هذه اللحظة نظر إليه الفرسان مليّا وعرفوا أنّه نفس الشّخص الذي جاءهم ثلاثة مرّات متنكرا ،فلاموا أنفسهم على غبائهم ،ولم يعرفوا ماذا سيقولون .وصفّق الحاضرون على نسيم ،وأثنوا على شجاعته ،أمّا الأميرة دلال فنظرت إلى بنات عمّها ،وهنّ يخفين وجوههنّ من شدّة الذّل ،ثم نادها أبوها ،وقبّلها ،وقال : لقد رفعت رأسي عاليا اليوم، ولقد قرّرت جعل نسيم وليّ عهدي ،وله النّصف في مملكتي ،وليخرج المنادي ليصيح بذك في الأسواق !!! إزداد الكرب بالفرسان ،وطأطئوا رؤوسهم ،كان الوزير طاهر جالسا بجانب السّلطان دون أن ينبس بكلمة ،ثم أخرج صندوقا عليه نقوش بديعة ،وقال لنسيم: هذا هدية مني لك ،وسيعجبك، لكن الفتى تذكر أنه رأى هذه النقوش لكن أين ؟ وفجأة إختطف الصندوق ،ورماه في المدفأة ، وصاح لقد عرفت من كان يدسّ السّحر للسلطان ،إنه الوزير ،قال طاهر أنت تكذب، وليس لك دليل !!! أجاب نسيم لقد رأيت تلك النّقوش في غابة السّاحرات ،وكنت تنوي إهداء الصندوق لمولاك السّلطان ،لكن لمّا سمعت أنّ أمري قد عظم أردت الخلاص منّي ،أليس كذلك ؟
كانت إحدى الجوارى واقفة قرب المائدة ،وفي يدها قلّة ماء ،فادركت أنّ الوزير قد إنكشف، فاقتربت من السّلطان، وقالت : كل ما ذكره الصّياد صحيح ،فالوزير كان يرسلني إلى ساحرة عجوز تعيش في غابة لإحضار السّم،ولا أقدر أن أرفض أوامره ،لأنّه يحتجز أختي ،ويهدّد بقتلها ،وهو يتآمر مع الفرسان للتخلّص منك ،لقد قلت لك ما عندي يا مولاي، فسامحني على ما فعلته من سوء .صاح الفرسان: لا تصدقّها يا مولاي ،فلم نخرج يوما عن طاعتك !!!فكّر السّلطان ثمّ أمر بضرب عنق الوزير، ونفي الفرسان من أرضه ،بعد ذلك إلتفت إلى نسيم، وقال له: لقد أثبتت شجاعتك ،والمملكة تدين لك ببقائها ،أمّا الوزير فلم يقدر على إخفاء حسده على مكانتك ،ولمّا همّ الجميع بالخروج ،جاءت بنات العمّ لدلال واعتذرن منها ،وقلن لها سنطلب الطلاق من الفرسان، ونذهب لمكان بعيد لا يعرفنا فيه أحد ،فلم يعد لنا وجوه بعد الهوان الذي أصابنا من أزواجنا، ويحهم يا لهم من جبناء !!!


يتبع الحلقة 8

مع تحيات الكاتب طارق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق