مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية الصّياد والملك وبنت منصور وراء السّبعة بحور الفراق المرّ (الحلقة 1 )
كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، رجل من الشجعان، يعيش في جبل، وكان يحب المغامرة ومصارعة الفرسان ، وكذلك صيد الأسود والغزلان، وكانت له زوجتان من الحسان ، لكن حُـرمتا من الأمومة و الحنان ،واشتاقتا إلى البنات والصبيان. ومرت السنون والأعوام وهما على هذا الحال، حتى ظهر عليهما الحمل ، فعمّت الفرحة اهل الدار ،وعمل الرجل وليمة لأهل القرية. ولمّا جاء الوقت المقدّر، ووضعت الزوجتان في نفس اللحظة مولودان ، وكانا طفلان جميلان ، ومن يراهما يحسبهما توأمان ، وسمّى أحدهما نسيم، والآخر سليم ، لكن كل الناس تناديهما بالأقرعين لانعدام الشّعر فوق جلد الرأسين. وبعد وقت قصير توفّيت إحدى الزوجتين ،وتبعها الأب بعد عامين .وبقي الولدان في ذمة احدى الأمّين ترعاهما بحبّ ،وهما يكبران ويلعبان ، حتى بلغا مبلغ الشباب وظهرت عليهما القوة و الكمال وأتقنا فنون القتال.
شغف الأخوان بصيد الحيوان من مها وأرانب و غزلان، وكانت أمهما لا تميز بينهما لأنهما يتشابهان كقطرتين من الماء، فاشتكت أمرهما لعجوز شمطاء عيونها نعساء، فاقترحت عليها حيلة نكراء. فذهبت الأم في الحال الى غدير وتصنّعت السقوط في الماء وبدأت تصرخ ، فهب سليم ولدها من صلبها على جناح السرعة ،وأنقذ أمه من الغرق، فخدشت ذراعه لتبقى علامة ، وأمّا نسيم ،فنزل من على فرسه على مهل وتراخى ،فأشاحت بوجهها عنه، وفقدت منه الأمل ولما دخلوا المنزل وراح كل واحد منهما لحجرته ،ناولت الأم فلدة كبدها خاتما فلبسه ،ووأوصته بالاحتفاظ به وأغدقت عليه النّعم ،وعاملته بدلال ، ومنذ ذلك الحين صارت لا تطعم أخاه غير الزيتون وخبز الشعير، فأحسّ المسكين بالإهمال والاحتقار، لكن نسيم كان قويا ،وفي كلّ مرة يتصارع فيها مع إبن المرأة ،تكون له الغلبة ، وساءها ذلك وأضمرت له الحقد ،وظلت تنتظر الفرصة لتتمكن من القضاء على ولد ضرتها الذي تكرهه ،كم كانت تكره أمه من قبله .
ثمّ طلبت من إبنها عدم الخروج للصّيد مع نسيم، لكي لا يكتشف التمييز في معاملتها مع أخيه ، وذات يوم التقى الأخوان صدفة في الغابة ولما جلس للطعام إكتشف سليم ما في زاد الرّبيب من شح وتقتير، فطلب منه ان يذهب للمنزل ليأخذ لنفسه طعاما لائقا ،وسلمه الخاتم لكي لا تعرفه أمه ،ولما ذهب إدعى أن جرابه قد وقع منه ، فناولته صحفة فيها كسكسي باللحم، وفاكهة وبعدها سلمته زاد لأخيه لكنه ورآها تصبّ فيه شيئا، فتألم الولد لحقد المرأة عليه ، ،ونذر أن يغادر البيت ولا يعود إليه، ولما وصل الى أخيه سليم ،صارحه بكل ما حدث من البداية إلى النهاية، وليتأكدا من الأمر ناول كلبه شيئا من الطعام فمات بالسم ،وطلب سليم من أخيه البقاء، ووعده أن يكلم أمه ،لكن أخاه نسيم أصرّ على الرّحيل فلم يبق له مقام هنا، وحين لم تنفع توسّلاته، ناول أخاه نبتة وقال له : ان اصفرّت فهي تدلّ على مرضي، وان يبست فعلى موتي، ثم تركه نسيم وهو حزين لفراق أخيه الذي يحبّه، وسار كلّ واحد منهما في طريقه ،ودموعهما تسيل على وجهيهما …
…
يتبع الحلقة 2
طارق السامرائي