مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ليلة الغنجة من الفولكلور السوري صداقة غير منتظرة ( الحلقة 4 والأخيرة )

قال زين :منذ مئات السنين جاء جدي محمّد الحلبي إلى هذا المكان ليروّح عن نفسه. وكان غابة مترامية الأطراف ،فراق له الهواء العليل والخضرة اليانعة، فبنى دارا يأتيها للإستجمام، وتدريجيّا ترك حياة المدينة وسكن هناك مع إمرأته هالة وبعض الخدم . ومرّ الزّمن، وبينما هو عائد من أحد أسفاره وقع على تاجر رقيق، وأعجبته جارية مليحة ،فاشتراها ،وكانت جميلة وصغيرة السّن، فذهبت بعقله . وفي أحد الأيّام قرّر الزّواج منها ،فلم تحتمل هالة الإهانة ،ورفضت أن تعيش مع ضرّ تها تحت سقف واحد، فبنى لها جدّي ذلك الكوخ الذي رأيته في الحديقة ،وبقيت بمفردها صابرة على حياتها، ودمعتها على خدّها ،وبالرّغم بمن محاولة أبنائها إقناعها بالرّجوع إلى القصر إلا أنّها رفضت ،أمّا الجارية، فأخذت تكيد لتلك المرأة لتبعدها عن زوجها ،ودسّت لها كتبا للسّحر وطلاسم ،وادّعت أمام محمّد أنّ زوجته تحاول أن تسحرها ،وصارت تأتيها الكوابيس، ولا تستطيع النوم ،فقرّر الرّجل أن يذهب ،ويتأكّد من أقوال الجارية .
في ذلك اليوم كانت هالة تمشط شعرها ،وتدهنه بزيت الزّيتون ،فرغم كلّ شيئ ،فلقد حافظت على زينتها ،ولا تريد أن تكون غريمتها أحسن منها . لما دخل زوجها الكوخ أفرغ خزانتها ،ووجد أدوات السّحر ،فأضرم فيها النّار ،وأخرج زوجته ،لكن هالة دخلت تجري لإخراج ملابسها وزينتها، فأمسكت النّار في شعرها المدهون بالزّيت، وفي جسمها ،فاحترقت، وماتت ميتة شنيعة ،فبكى عليها زوجها وأبناءها ،ودفنونها في رابية قريبة ،لكن تلك الجارية لم تهنأ كثيرا بحياتها و،عادت هالة من عالم الأموات، وضربتها بأظافرها فصار وجهها بشعا كأنّه محروق بالنار ،وقبل أن تموت إعترفت لجدّي بما فعلته فأحسّ بالندم الشّديد، وأصبح يجلس أوقاتا طويلة في الكوخ، كأنّه يكلّم هالة، ولمّا مات جدّي دفنه أولاده بجانبها ،ومنذ ذلك اليوم تعوّدت هالة أن تخرج ،وتقتل أيّ فتاة شابة يريد أولادها الزّواج منها ليلة الغنجة ،فحاولوا حرق الكوخ إلا أنهم كانوا يعيدون كلّ مرّة بناءه، فأمّهم لا تتركهم يهنئون بالنّوم في الليل .
وفي الأخير أتوا بوليّ صالح أقفله بمفتاح من نحاس، ووضعه في حلقة المفاتيح مثل أيام زوجها محمد ، لكي لا لتحس هالة بأنّ شيئا تغير لكنه أوصى بعدم فتح الباب ،وإلا فإنها ستخرج مرّة أخرى لتقتل .كانت زينب تسمع باهتمام ،ثم فجأة إنهارت دموعها ،وقالت يجب أن نفعل شيئا لتجد جدتك الراحة في قبرها ،سألها زين ،وكيف أجابته لا أعرف ،مثلا نرمّم كوخها ،ونأثثه ثم نرجعها إليه مع زوجها ،فكّر زين ،وقال :لا بأس من المحاولة !!! وغدا صباحا أتى بالعمال ،فرمّموه ،وأزالوا عنه الغبار،ثم وضع فيها أثاثا ،ولباسا ،وكتبا ،بعد ذلك ذهب إلى الرّابية التي فيها مقبرة أهله، فبحث بين القبور القديمة حتى وجد قبرا باليا قد تكسّرت حجارته ،ولمّا قرأ الشّاهد المنصوب فوقه أحسّ بالحزن، فكان مكتوبا عليه بالخط الكوفي: هذا قبر محمّد الحلبي وهالة، جمعهما الله في الحياة والموت ،غفر لهما ما تأخّر من ذنوبهما ،وما تقدّم.
فحملهما إلى الكوخ ،وعطّرهما بالكافور والمسك ،ودفنهما ،وقرأ عليهما الفاتحة هو وزينب ،ثم قطفت الفتاة زهرة ،ووضعتها على القبر، وقالت لزين : لا شك أن هالة الآن سعيدة ،وأنا متأكّدة أنّها لن تظهر لنا بعد الآن . وفي الليل لم تقدر الفتاة على النوم، فخرجت إلى الشّرفة ،ورأت نورا خفيفا في الكوخ ،فتسللت من الغرفة ،وتركت زوجها نائما ،وحين أطلت من النافذة رأت محمّد الحلبي وهالة يجلسان مع بعضهما في أحلى زينة ،وإلتفتتت إليها هالة، وتمتمت بشيئ ،ولمّا عادت زينب إلى فراشها ،قالت لزوجها النائم: لقد أعلمتني جدّتك أنّ الغدر في طبائعكم، وويلك إن فكّرت أن تأتيني بضرّة للقصر !!! فلن يكون مصيري مثل هالة التي تعذّبت في حياتها ومماتها ،فأنا سأقتلك بيدي دون رحمة ،ثمّ حضنت قطتها، ونامت ،لكنّها لم تعد أبدا كما كانت من قبل .

إنتهت وشكرا على الاهتمام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق