مكتبة الأدب العربي و العالمي

أبو دلامة شاعر مشهور ، كثير النوادر

أبو دلامة شاعر مشهور ، كثير النوادر ، كان يضحك الخلفاء حتى في المواطن التي لا يحسن في مثلها الضحك .
وكان جبانًا يفرُّ من القتـ.ـال ويحتال لذلك بشتّى الحيل ، واضطرّ مرة إلى الخروج في جيش روح بن حاتم المهلبي لقتـ.ـال الخوارج.
كان قريبًا من الأمير في المعركة ، فغلب عليه ما ركب في نفسه من الطمع ، فقال للأمير : أما والله لو أن تحتي فرسك ومعي سلاحك لفعلت في العدوّ الأفاعيل .. فضحك الأمير ، وقال: والله العظيم لأدفعنّ إليك ذلك ، ولآخذنك بالوفاء بشرطك ، ونزل عن فرسه ، وأعطاه سلاحه .
قال أبو دلامة: فلما حصل ذلك في يدي ، وزالت عني حلاوة الطمع ، قلت : أيها الأمير ، هذا مقام العائذ بك ، وقد قلت بيتين فاسمعهما ، قال : هات فأنشدته :
إني استجرتك أن أقدم في الوغى
لتطاعنٍ وتنازلٍ وضرابِ
فهب السيوف رأيتها مشهورة
فتركتها ومضيت في الهرّاب

قال الأمير : سترى ما أصنع بك إن هربت .. وبرز فارس من الخوارج ، بطل من الأبطال ما بارزه أحد إلا قتـ.ـله .
قال : اخرج إليه يا أبا دلامة .
قلت : الله الله أيها الأمير في دمي .. قال : والله لتخرجن .
فلما رأيت منه الجد ، قلت : أيها الأمير ، فإنه أول يوم من أيام الآخرة ، وآخر يوم من أيام الدنيا ، فأمر لي برغيفين ودجاجة محمّرة ، فأنا والله جائع ، فأمر له به ، وقال : وبشيء من الحلوى وفاكهة.. فأخذته وبرزت عن الصف .
فلما رآني الخارجي أقبل عليّ ، وسيفه في يده ، وعيناه تقدّما ، وعليه فرو قد أصابه المطر فابتلّ ، وأصابته الشمس فانفتل ، فكان كأنه الوحش ..
فقلت : على مهلك يا هذا ، قف نتكلّم أولا ، فتوقف ، هل تقاتـ.ـل من لا يقاتـ.ـلك ؟
قال : لا ، قلت : أتقتـ.ـل رجلًا على دينك ؟
قال : لا
قلت : فلماذا تقاتـ.ـل ؟
قال : اذهب إلى لعنة الله .
قلت : لا أفعل أو تسمع مني .. قال : قل ..
قلت : هل كان بيننا عداوة قط أو ثأر أو تعرفني بحال تغضبك عليّ أو تعلم بين أهلي وأهلك ثأرًا ؟ قال : لا والله ..
قلت : ولا أنا والله ، وإني لأهواك وأنتحلُ مذهبك وأدين دينك وأريد السوء لمن أراده لك .
قال : يا هذا جزاك الله خيرًا ، فانصرف .
قلت : إن معي زادًا أحب أن آكله معك ، وأريد مؤاكلتك ؛ لتتأكّد المودة بيننا ؛ ويرى أهل المعسكر هوانهم علينا . قال : فافعل .
فنزلنا عن أفراسنا ، وقعدنا على الأرض نأكل، والعسكران قد ماتا من الضحك .
فلما استوفينا ودعني ، ثم قلت : إن هذا الجاهل يعني الأمير ، إن أقمت على طلب المبارزة ندبني إليك فتتعبني فانصرف راشدًا ، فانصرف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق