مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #سعيد_الجان_وقُميرة_البان الجزء الثالث

نظرت الفتاة إلى الشّجرة ،فرأت أنّ الأوراق بدأت تتساقط بسرعة حتى لم تبق سوى إثنين فقط ،وما أن إبتعدت خطوات قليلة حتى رجعت تجري إلى سعيد ،وقالت :لن أتركك تموت ،فلا أقدر على تأنيب ضميري بقية حياتي ،ثمّ جاء الشيخ وقبّلها ،و قال: لن تندمي على فعل الخير، فبركة الملك مازالت تحلّ على هذه الأرض حتى بعد مماته ،وإن شاء الله لا تنقطع ،وأوصيك خيرا بحفيدي ،فهو كل ما بقي لي في هذه الدنيا !!! ثم كتب عقد قرانها على سعيد الجان ،وأحضر لها مهرا من الجواهر النفيسة والثياب الغالية من كسوة الملكات ،ولبست الفتاة وتزينت حتى صارت مثل البدر، ورغم قبح زوجها إلا أنها لم تخف منه ،فلقد نسيت الخوف لكثرة ما جلست في السرداب المظلم مع الفئران والهوام ،في الصّباح لما نهضت الفتاة إلتفتت إلى زوجها ثم صاحت من الدهشة فلقد زالت عنه اللعنة ،وصار جميل الوجه أزرق العينين .
بعد قليل سمعت طرقا على الباب فدخل الشيخ مشرق الوجه وفي يديه صينية كبيرة ،عليها ما لذ وطاب من العسل المصفى واللبن والجبن ومربى الفواكه ثم تمنى لها أجمل الأيام ،في تلك الأثناء نهض سعيد،وفرح لزوال اللعنة عنه وأكل معها وهو يحس بالحبّ يغمر نفسه ،فقد شاء الله أن يجد الفتاة التي تهواها نفسه وأن يزول ما في نفسه من غم ،هذا ما كان من أمر قميرة البان ،أما أخواتها فكلّ مرة تأتي واحدة منهنّ لقطف الثمار ثم تذهب في حالها دون أن تسأل عن أختها ،وكانت الفتاة تنظر إليهن وهن يجئن ويذهبن ،وكأنها ليست موجودة ،فشعرت بالألم يعتصر قلبها لسوء أخواتها ،وفكّرت في حيلة لكي تعلمهنّ الأدب ،وفي الغد أخبر الشيخ أحد البنات أن هناك عسل كثير ومربّى المشمش،وسائر الثمار، وطلب منها أن تأتي مع بقية أخواتها لحمل ما تشتهي أنفسهن ولما دخلن القبر إنغلق عليهن الباب ووجدن أنفسهن سجينات، وبدأن يصرخن بفزع حين كادت أن تنطفئ الشّمعة .
ثم جاءت قميرة البان ،وقالت لهنّ من وراء الباب : خسارة لم يحسن أبي تربيتكن و أشبعتموني ضربا وسبا والآن سأنتقم منكنّ على عصيانكم لوصيّة أبيكنّ ،ولضربي ورميي في هذه الدار الموحشة وسط الليل ،بدأت البنات يستعطفنها ،ويبكين وهي جالسة تأكل في خوخة كبيرة ،ولما أكملت الأكل مصت أصابعها وقالت إعلمن أني الآن صاحبة الدار ،ومن لا يسمع الكلام لا يأخذ شيئا ،لقد إقترب أباهم  من المجيئ ويجب أن لا نغضبه لما يرجع لهذا السبب سأعطيكن خمسمائة ريال تضعونها في الخزانة وتأكلون من العولة ،أما أنا فسأعود معكن ومن حين لآخر أخرج لزوجي وآتيكم بفاكهة وعسل عند رجوعي ،ولا يجب أن يعلم أحد بقصّتي حتى يأتي أبي من السفر !!! أجابت البنات: موافقات عن كل ما قلت ،لا أحد منا يلمس شعرة من رأسك ،ثم قالت الفتاة الكلمة السرية ،فانفتح الباب، وخرجت أخواتها وهنّ يجرين ،ولم يصّدقن بالنّجاة من ذلك المكان المخيف .
وفي المساء وضعت قميرة البان لباسها المعتاد ،وذهبت للدّار وهي تحمل قفة عامرة ،وحكت لأخواتها عن زواجها من سعيد الجان ،واتفقت معهنّ أن يكتمن ذلك ،ولمّا يرجع الأب من سفره يجيئ ذلك الفتى لخطبتها من الحاج رمضان ،ويقيم عرسا كبيرا ،وكان الجميع مسرورا بهذا الحل إلا الأخت الكبرى التي لم يعجبها كيف تتزوّج قميرة البان قبلها وهي التي كانت تذلها وتضربها وشعرت بالغيرة تدب في قلبها ،وعزمت أن تفسد زواجها .كانت الفتاة تخرج من حين لآخر تذهب لزوجها ،وصارت تنزل معه لقبر الملك وتحرص أن يكون المكان نظيفا وتشعل البخور والعود الهندي ومنذ زمان طويل كان أجداد سعيد الجان وزوجاتهم يسهرون على القبر،ومقابل ذلك يأخذون ما يستحقّون من مال أو لباس ،ولا يسرفون في ذلك ،بعد شهر رجع الحاج رمضان من سفره فوجد الدار نظيفة والعشاء جاهزا ولما نظر في الخزانة وجد ماله كاملا لم ينقص منه فلس ،فأثنى على بناته اللواتي نفّذن جميع وصاياه …

يتبع الحلقة 4 والأخيرة

عن قصص  واقعية حكايات العالم  الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق