مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية على رأس الظالم تقع من الفولكلور اليمني مكيدة الملكة ورئيس النّجارين ( الحلقة 2 )

طاطأ الولد رأسه ،وقال في نفسه :لا فائدة في العودة إلى الدّار هذه الليلة ،فأمّي توعّدتني بالطّرد إن فقدت المال !!!،ثم أخذ يهيم على وجهه ،يدخل من قرية ويخرج من أخرى ،وأمضى الليل تحت شجرة ،وهو يرتجف من البرد والجوع، وفي الصباح واصل طريقه ،وكلما وجد تاجرا أو صاحب صنعة سأله إن كان يقبل به مقابل سقف يبيت تحته ورغيف يأكله ،لكن إعتذر الجميع فلديهم من العمال ما يكفي وزيادة ،فلعن حظه السّيئ الذي وضعه أمام الدّرويش ،فما الذي دهاه ليشترى بماله الكلام ؟ لا شكّ أن الناس لو سمعوا حكايته لسخروا منه ونعتوه بالحمق ،مشى الولد حتى دخل قرية صغيرة وبينما هو في يسير في الأزقة، صادف إمرأة عجوزا تحاول إصلاح باب بيتها المكسور، فلما شاهدته ،قالت له تعال أصلح لي هذا الباب ،وسأمنحك عشرين فلسا أجرتك!!! فأجابها :أفضّل أن أبقى بدون عمل على أن أشتغل بهذا المبلغ الحقير ،ثم همّ بالإنصراف من عندها ،إلا أنه سرعان ما تذكر الحكمة الأولى التي اشتراها ” اقتنع بالقليل يعطيك الله الكثير” فقال في نفسه :
والله هذا الكلام حكيم
راق له عقلي
على الأقل أستفتح يومي
وأشترى خبزي
وأرى ما يكون من أمري
وعاد مسرعاً نحو العجوز يصلح لها باب بيتها ، وعندما انتهى ناولته أجرته، فأخذها مسروراً . وكان قيّم قصر السّلطان مارا في تلك الأثناء ،فلفت نظره وسامة الفتى وحذقه للنّجارة، فقال له :ما رأيك أن تلتحق بخدمة مولاي ،فهناك عمل كثير في القصر ،فمشى معه، وأوكل أمره لرئيس النجارين الذي علمه الصنعة ولم تمض عشرة أيام حتى وثق فيه ،وصار يأخذه معه لإصلاح متاع القصر، وفي آخر الشهر أعطاه قيم القصر ثلاثمائة ريال أجرته ووعده أن يزيده ،فاستغرب الفتى وقال سبحان الله بحكمة واحدة إسترجعت مالي الذي خسرته سأطلب الإذن من السّلطان لأذهب إلى أمي، فلا شكّ أنها قلقة لغيابي ،لكن السّلطان أوصاه أن يصلح له الخزانة التي في غرفته قبل إنصرافه ،ولما دخل الغرفة كانت الملكة جالسة على مقعد أمام المرآة وهي تتزيّن ،ولمّا وقع نظرها عليه عشقته لشبابه وجماله ،وقالت لزوجها :الكثير من الأثاث يحتاج إلى تصليح ،فطلب من الفتى أن يؤجل  عودته لأمّه حتى ينتهي من عمله .
وكلّ مرة يذهب الفتى إلى غرفة السلطان يلاحظ أن الأثاث سليم وكانت الملكة كلما يأتيها تتودد له وتلاطفه أحد الأيام خرج السلطان مع الحاشية ليتفقّد أحوال المملكة ،فاستغلت الملكة غياب زوجها لتراوده ، وتعده بالتّدخل لدى قيّم القصر لمضاعفة أجرته ،فطمع الفتى الفقير، وكاد يقع في حبائلها إلا أنه سرعان ما تذكّر الحكمة الثانية : ” لا تخن من أمّنك ولو كنت محتاجا “وقال لنفسه :كيف أخون السّلطان، وقد إئتمنني على قصره وعرضه !!! فرفض الاذعان للملكة ، لكنها حنقت عليه ،ولم تغفر له فعلته، فاستدعت رئيس النّجارين ،وتآمرت معه لقتل الفتى ،ولما عاد السّلطان أخبره بأنّ النّجار يسترق النظر للحريم ،فغضب الرّجل ،وقال له :أرسله لمخزن الخشب في المساء ومعه صرّة من الذّهب ،وقل لصاحبه أن يقتل حاملها ،خرج الفتى مبكّرا من القصر ،ومشى في طريقه دون أن يشكّ بشيئ ، وأنّ المهمّة التي سيذهب إليها هي فخّ قاتل، ولن يرجع منها حيّا .
حين أصبح على مقربة من المخزن رأى دارا كبيرة فيها عرس، والجيران يجلسون للأكل والشّرب، وقد علت أصوات الطبول والمزامير، وهنا تذكّر الحكمة الثالثة التي إشتراها بمائة ريال : “اذا وجدت الزهو والطربّ فلا تغيّره بشقاء ولا تعب ” فقال: والله لقد أصاب الدّرويش ،لكن هذه الصّرة كبيرة ،وسأخفيها أوّلا ،ثم أعود لآكل وأرقص مع الصّبايا والجواري ،وربّما أصادق إحداهنّ ،فيظهر أن القوم من الأغنياء ،وهذه أوّل مرّة سيمرح فيها فلم ير في حياته إلا الفقر والبؤس .

يتبع الحلقة 3

احمد حميدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق