نشاطات

حكاية على رأس الظالم تقع من الفولكلور اليمني الدّرويش الذي يبيع الحكمة ( الحلقة 1 )

عاش في قديم الزّمان رجل مع زوجته التي لم يرزق منها بذريّة ،وعندما حملت منه كان المرض قد داهمه، وأحسّ بدنوّ أجله ،فقال لها : أشعر بدنوّ أجلي ،ولن يمتدّ بي العمر حتى تضعي مولودك، إسمعي ،كلّ الذي أملكه في هذه الدّنيا ثلاثمائة ريال، فاذا كان المولود صبيّا ،اوصيك ان تحتفظي له بها الى ان يبلغ رشده ،فقالت له زوجته: إطمئن يا رجل ،ساعمل بوصيّتك !!! ولم يمر شهر حتى مات الرجل ،وبقيت زوجته تنتظر الولادة ،ولمّا جاء أوانها ،وضعت ولداً جميل المنظر ،ففرحت به ،وعوّضها عن الحزن الذي كانت فيه بعد موت زوجها، واخذت ترعاه وتهتم بتربيته ، حتى بلغ رشده ،وصار قادراً على كسب عيشه بنفسه ،وعندها قالت له: لقد أوصى لك أبوك بشيئ ،فسألها بفضول ،وما هو يا أمّاه ؟ لم تشأ المرأة أن تطلعه على كل المال الذي تركه زوجها له مخافة ان يسئ التّصرف ،فيفقده كله مرّة واحدة، فقالت له: لقد اوصى لك بمائة ريال لا غير، فأخذها ،والدّنيا لا تسعه من الفرح، وجرى بها إلى سوق القرية ليشتري بضاعة ويبيعها ،فقد كان أبوه تاجرا ،وهو يريد أن يكون مثله .
وبينما كان يحثّ الخطى وهو غارق في التّفكير عما سيشتريه، استوقفه شيخ درويش قاعد على جانب الطريق ،وسأله الى أين أنت ذاهب يابني ؟ أجابه الولد :الى السّوق لاستثمر مائة ريال خلفها لي والدي قبل موته، فقال له الرجل : إسمع يا فتى ،إذا ناولتني إياها سأبيع لك حكمة تنفعك طوال عمرك، مد له الولد المال ،وهو يتساءل ماهي حكمتك ؟ تناول الرجل منه النقود وقال : إقنع بالقليل يأتيك الله بالكثير ،ندم الولد على إضاعة ذلك المال، وانصرف عائداً الى بيته ليجد امه تنتظره لترى ماذا صنع بالمائة الريال ، ولما سألته أجابها : اشتريت بها حكمة تقول : اقنع بالقليل يأتيك الله بالكثير ،حين سمعت أمه ذلك وبّخته على حمقه ،فمتى كان الكلام ينفع في كسب العيش ؟ وفي صبيحة اليوم التالي أعطته مائة ريال أخرى ،وأوصته بأن يحافظ عليها ،فهي كلّ ما تملكه ،وانصرف الولد كعادته للسّوق، وهو يفكّر فيما سيشتريه ،وفجأة وجد الدّرويش جالسا قدامه ،فاستوقفه، وسأله مثل البارحة عن مقصده فأجابه أنّه ذاهب للسّوق ليستثمر مائة ريال في بضاعة يربح منها ،فقال له الرّجل: إذا أعطيتني المال سأبيع لك حكمة تنفعك طوال عمرك !!! مدّ له الولد ما عنده من ريالات ، ووقف ينتظر الحكمة ،قال الدّرويش اليك حكمتي الثانية : لا تخن من ائتمنك ،ولو كنت محتاجا .
بعد أن سمع الولد ذلك منه، ندم مرّة أخرى ، وانصرف عائداً الى بيته، ليجد أمّه في انتظاره ،ولمّا سألته عما صنع بالمال ،أجابها :لقد اشتريت بها حكمة تقول : لا تخن من ائتمنك ولو كنت محتاجا !!! سمعت أمّه ذلك و الحنق والغيض يملأ نفسها ،وفي اليوم الثالث أعطته المائة ريال الأخيرة ،وهدّدته بأنّه لو فقدها ،فلا فائدة أن يعود للدّار ،وعليه أن يبحث عن مكان يبيت فيه عقابا له ،خاف الولد من تهديد أمّه ،وقال في نفسه: سأذهب إلى السّوق من طريق آخر حتى لا يراني الدّرويش ويخدعني مرّة أخرى ،فما يقوله من حكمة لا فائدة منها ،وحتى جدّتي تقول أحسن منها .ثمّ انصرف متجهاً الى السّوق ليرى ماذا عساه سيصنع بها ،واذا بالدّرويش جالس تحت شجرة كأنّه ينتظره ،فأراد الولد أن يمرّ من ناحية أخرى ،لكنه ناداه قائلا : لا تستهن بما أقوله من حكم، فسيأتي اليوم الذي تشكرني فيه علي ما علّمته إياك ،والآن هات المائة ريال، لأعطيك الحكمة الثالثة .
همّ الولد بالهرب ،لكنه فجأة وقف ،وخاطب نفسه : ربّما يكون في هذه الحكمة ما يساعدني على إسترجاع الخسارة ،وبذلك تسامحني أمّي ،ويقل غضبها مني !!! ولمّا أخذ الدّرويش المال، قال له: اليك حكمتي الثالثة :لا تغير الزّهو والطرب بالشّقاء والتعب ،قال الولد في نفسه:والله ضاع المال، فعن أيّ شيئ يتحدث الدرويش ،فهل وجدت لآكل حتى أجد الطرب ؟

احمد حميدي

يتبع الحلقة 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق