مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية الشيخ والجرّة من الفولكلور السوري عاقبة الطّمع ( الحلقة 2 والأخيرة )

صار الأولاد الثّلاثة يتنافسون في خدمة أبيهم والعناية به ،وفي منتصف النهار تحمل له زوجاتهم الطعام ،وأصبح يأكل من مائدة عامرة بالخيرات ،وكلّ مرّة ينزل على واحد منهم ضيفا ،فيبجّلونه ويكرمونه ،ولشدّة طمعهم يسألون أباهم عن مقدار ما في الجرّة فيجيبهم أّنه كثير ،وهو يعرف لمن سيعطيها ،وكلّ واحد يرجوه أن يجعل المال من نصيبه .وذات يوم زاره صديقه في داره، ليطمئن عليه، فرآه في أحسن حال، وهو في ثياب جديدة ،نظيفة،و بيته مفروش بأحسن الزرّابي، والطعام عنده كثير، ومظاهر النّعيم بادية عليه، فهنّأه، بما هو فيه، وشكر الرّجل لصاحبه نصيحته، وأرجع له دنانيره الذهبية ، وهكذا أمضى الأب بقية عمره هانئاً يحيط به أولاده حتى وافته المنية، فأسرعوا بتجهيزه ،ودفنوه في ضريح من الرّخام، ثم إنتظروا مرور بضعة أيام ، و فتحوا وصيته ،فوجدوها فارغة، واختلفوا فيما بينهم على من يأخذ أكبر حصّة من الذهب ، وكلّ واحد يدعي أنه إعتنى بوالده أكثر من الآخر، وأن الذّهب من حقه.
وبينما هم في خلاف ونزاع، دخل عليهم صديق أبيهم، وكان يتوقع ذلك منهم، ثم اعترفوا له بما هم فيه من خلاف، وسألوه رأيه، فنصح لهم أن يلجؤوا إلى عمّهم كي يقسم لهم ما في الجرّة ،وهو رجل بخيل ،إمتنع عن مساعدة أخيه ولو بدرهم لمّا كان في أمس الحاجة إليه .ومضى الأولاد إلى عمّهم، فحدّثوه بما حصل، فوعدهم أن يأتيهم في المساء لقسمة الذّهب ،لكنّ الطمع إشتد به، فمضى إلى السّوق، واشترى عمامة كبيرة وضعها على رأسه، ولمّا حان موعده مع الأولاد ذهب إلى دار أخيه، وهو يتوكّأ على عصا غليظة، وحين دخل عليهم ،أخبرهم أنه سيضع الجرّة فوق العمامة ،وأنّ كبيرهم سيضربها بعصاه، وليس لهم بعدئذ سوى أن يلتقطوا ما تناثر على الأرض، والأسرع من بين إخوته يكون له أكبر قدر من الذّهب !!! وما يبقى على رأسه فلن يمسّه أحد ،فهو أيضا له الحقّ في ميراث أخيه رحمة الله عليه ،امتعض الأولاد من طريقة الاقتسام، وإقحام عمّهم نفسه معهم، ولكنّهم تشاوروا مع بعضهم،و رأوا أنّه لا مفرّ لهم من القبول، ولا توجد طريقة أخرى ‏ .
تحسّس العمّ الجرّة على رأسه، فإذا بها ثقيلة ،فأخذ يتخيّل كم من الذّهب سيبقى على العمامة الكبيرة ،وندم أنّه لم يسأل على أخيه الذي أغناه الله وهو لا يعلم .أمّا الأولاد فكانوا يفكّرون كيف سيسقطون ما على رأسه من ذهب بعد كسر الجرّة ، وكلّهم كانوا يحدّقون إلى بعضهم بشراسة، وقد نسوا أباهم ،وما أوصهم به من التآزر والتحابب ،أخذ أكبر الإخوة عصا العمّ الثقيلة ولوَّح بها في الهواء، ثم ضرب الجرّة ضربة عنيفة، فانكسرت، وتناثر ما فيها، من تراب وغبار في الغرفة، وأكثره سقط على رأس العمّ ،وانقلبت عمامته الكبيرة، ودخل الغبار في أنفه وأذنيه ، ونال الأولاد نصيبهم، واتّسخت ثيابهم الجديدة، وشعورهم الجميلة التي قصّوها أمس عند الحلاق ، وعلا الصّراخ والسّعال، والسبّ، ومضوا يبحثون عن الباب، وسقطوا ،وداس بعضهم بعضا ،وكان آخر من خرج العمّ ،،وهو يسبّ ويلعن أخاه الذي دبّر هذا المقلب لهم .
أمّا صديق الرّجل فكان واقفا مع إبنته الشّابة أمام الدّار ،وضحكا لمّا شاهد االأولاد وعمّهم يخرجون كالأرانب المذعورة ،وعوضا عن الذّهب حملوا معهم القذارة،ولما رأتهنّ زوجاتهم على هذه الحالة المقرفة، أمسكت كلّ واحدة غصن زيتون وانهلن عليهم ضربا، فنالهم من زوجاتهم أكثر ممّا نالهم من الجرّة ،وصاحوا كلهم : ملعون أبو الفلوس والذّهب .

إنتهت

احمد حميدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق