مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية ثأر النّسوان من قصص بلاد الصّعيد الجارة الغريبة (حلقة 6 )

واحتاج الأمر لأربعة أيّام من التّنظيف والتّرميم قبل أن يأتي همّام ونعيمة للسّكن في تلك الدار ،فهي لم تفتح منذ عدّة سنوات. بعد أيّام بدآ يلاحظان أنّ أحدا يراقبهما من وراء نافذة المنزل المجاور ،رغم أنّهما لم يريا أحدا يدخل ويخرج منه ،قالت نعيمة لزوجها :ذلك الوجه الجامد يجعلني أشعر بالخوف ،وهو دائما يحدّق ناحيتي ،فأجابها :وما يهمّنا طالما أنّ ذلك لا يقلق راحتنا ،لعلّها عجوز لا تجد شيئا تفعله سوى النظر لجيرانها ،لا أكذب عليك ،فأنا مستريح هنا فالمصنع قريب ،وكل شيئ هنا يذكرني بزمن الطّفولة ،فكما تعلمين فلقد ولدت في هذه القرية ،وأعرف فيها كثيرا من الناس ،كان ذلك الكلام يسلّي كثيرا نعيمة ،ويجعلها أكثر اطمئنانا ،لكن أياّم الرّاحة والإستقرار لم تطل كثيرا ،فأحد الأيّام كانت راجعة من محلّ البقالة القريب ،وفجأة رأت كلبان يجريان ناحيتها ،وقد كشّرا عن أنيابهما، فرمت سلّتها، وهربت ،ولمّا كاد الكلبان أن يصلا إليها إنفتح باب الجارة ،فجأة ،وأدخلتها لدارها .
سمع بقيّة الجيران الصّياح ،وخرجوا من بيوتهم ،ليلاحظوا أنّ رجلا أخذ الكلبين وابتعد ،وتسائلوا من فعل ذلك ؟ فذلك الحي عادة هادئ ،ثم أحضروا سلّة نعيمة ،وجائوا للإطمئنان عليها ،وهنا رأوا تلك المرأة ،وبعضهم له سنوات يسكن هناك ،ولا يعرفها .كانت الجارة بيضاء اللون كبيرة العينين في الثلاثينات من عمرها ،وتعجّبت نعيمة عن سبب إختفائها عن الأنظار ،رغم جمالها، وهي لا يأتيها أحد باستثناء صبّي البقّال الذي يضع لها ما تطلبه من حاجيات أما الباب وينصرف، وفي آخر الشهر يأتي رجل ويدفع ثمن المشتريات .أحضرت المرأة لنعيمة إبريقا من الشاي ،وغطاء دثّرتها به فلقد كانت شاحبة اللون وترتجف ،وبعد قليل سرى الدّفئ في جسدها وأحسّت بأنّها أفضل حالا وعرفت من جارتها أنّ إسمها تفيدة ،ثم قالت لها التلفاز عندي معطّل وأنا أقدر على قراءة الطالع، ثم سألتها هل تريدين أن تجرّبي ؟ لم يكن لنعيمة ما تفعله ،ومازال كثير من الوقت على رجوع زوجها ،فقالت لها: ولما لا ؟ذلك يبدو ممتعا ،أحضرت تفيدة أوراق التاروت ،وأشعلت شمعة ثم أخرجت سبعة ورقات من الرّزمة، ورصفتهم أمامها ،وقالت لها: سأبدأ بك ثمّ زوجك ،والآن سنرى حظك مع المال .
رفعت الورقة الأولى، ثمّ إبتسمت المرأة ،وقالت :ستأتيك ثروة كبيرة ،تساءلت نعيمة : ومن أين ؟ فأنا لا أملك شيئا ،وهمام متوسط الحال !!! ثم قالت لها :سنرى الحبّ، ورفعت الورقة الثاّنية ،فنظرت إليها تفيدة ،وقالت :أنت حامل في شهرك الثاني ،وهنا وجمت نعيمة ،فهي نفسها لم تعلم سوى منذ ثلاثة أيام . وضعت تفيدة سبعة أوراق أخرى وقالت :سنرى الآن طالع همّام ،وما أن رأت تفيدة الورقة التي في يدها حتى سكتت ،واصفرّ وجهها ،ولما رأتها نعيمة أحست بالقلق ،وهمست إن شاء الله خيرا قالت تفيدة لا أريد إخافتك لكن سيحصل مكروه لزوجك ،على كلّ حال التّاروت ما هو إلاّ ورق ،وعلم الغيب عند الله ،قالت نعيمة: سأنصرف الآن ،وشكرا على الضيافة ،ولمّا دخلت بيتها أطلت في النّافذة ،ثم أقفلت بابها بالمفتاح ،وقالت في نفسها :أشعر بالخوف من هذه النّبوءة، فعلاقة همّام شديدة السّوء مع أخيه ،وبسببه هربنا إلى هنا، ولكن هل يصل به الأمر إلى قتل أخيه ؟
أمضت نعيمة بقيّة اليوم وهي في أشدّ القلق ،على زوجها ،وكلما تتصل به في المصنع يقولون لها إنه غير موجود ،وفي النهاية سمعت صوت السيّارة، ففتحت الباب ،وخرجت تجرى ،وحين شاهدت أنه بأتم صحّة إطمئنت ،أمّا هو فتعجّب من لهفتها عليه ،وسألها :ماذا حصل ؟ أجابته :إسترح الأوّل ،وسأروي لك ماذا حصل في غيابك، أنّه أمر مخيف …

يتبع الحلقة 7

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق