مقالات

فصام أبدي !! بقلم رياض الصالح

هذا أنا من جديد يا عزيزتي، أطلّ عليك ببصمتي المعهودة، وصحبتي الودودة، وآمالي المنشودة .. أعلم أنك ستضحكين سراً وأنت تقرئين مشاكساتي المسجوعة، وتتهكمين ساخرة عندما تعود بك الذاكرة إلى بعض الصور المشابهة والمعلقة على زاوية مزاج من زوايا أمزجتي التي لا تحصى.. كما أعلم أنك ستبدئين برسم تصور عن طبيعة أحاسيسي وأنا أكتب لك الآن .. حتى أنك ستراهنين نفسك على طبيعة الموضوع الذي سيتناوله قلمي هذه المرة..
لا أظن ذلك يا عزيزتي فأنا وكما تعلمين.. رجل المفاجآت .. ستضحكين هنا كثيراً .. لأنها مفاجآت نفسية وليست تلك التي تتوقعها امرأة عابرة تقرأ وتتوقع أنها هدية ما .. إذن كيف سيكون حال قلمي المترنح على صفحة خيالي الهائج المتخبط .. ترقب مستمر ينتابُك يا سيدتي خشيةً على قلمي من الغرق في الأعماق أو التمتمة بهذيان يصيبني ناتج عن دُوار الفكر ودوخَةُ الشعور ..
أنا اليوم لست أنا الأمس كما أني لن أكون إلا أنا الغد .. إن عشت للغد يا عزيزتي .. ولا أنت كذلك .. كل لحظة تفعل فينا فعلها.. تبني و تهدم .. تحذف وتضيف .. تعيد ترتيب الرفوف .. تتقافز وتنتقي فتح أو غلق النوافذ التي تلائم ظروفها .. فنحن إذن خليط شخصيات لا تعد ولا تحصى .. وإذا استخدمنا ضمير المتكلم أثناء الحديث فإنما هو تعبير مجازي يشبه عنوان كتاب موسوعي ضخم ..
لذا لن تجديني كما عهدتني كل مرة .. ولن تجدي التوقعات المسبقة معي أو معك .. فنحن جميعاً أبناء تجربة اللحظة الحاصلة باستنتاجاتها وقواعدها وقراراتها المتغيرة شاءت أم أبت .. فعقارب الساعة لا تمكث مكانها إلا جزءاً ضئيلاً من الثانية..
راجعت نفسي إن كان حقيقياً أو صادقاً أن أخاطبك بعزيزتي هذه اللحظة .. فلا أستطيع الجزم بأن مشاعري الآن تشابه مشاعري عندما قررت أن أضيفك إلى قائمة أعزائي الأبديين .. ولا أريدك أن تغضبي الآن لأني عايشت غضبك الفائت وتعاملت معه.. أما الآن فلا أعلم ماهيته الجديدة .. فترفقي بي يا عزيزتي ..وجاريني في مسيرة فهمي لحياة الإنسان المتعبة من كثرة الركض وتغيير المحطات .. واستخدمي معي وسائل منع الدمع في زمن يشجع على الحدّ منه في الشؤون العامة .. وتفهمي معي محاولاتي لتقبّل الواقع البشري كما هو وخفض مستوى التوقعات عند استماعي لأي همسة أو قراءتي لأي كلمة أو تعلقي بأي وعد صادر من أي إنسان .. لأنه لن يكون هو نفسه بعد حين .. وسيتنصل عبر أي فرع من التبريرات يلائمه لحظة الالتزام .. لذلك أنا هذه اللحظة .. لا أتعجب من همجية الحروب الدائرة .. وكمية الصرخات المعذبة التي تتناثر كالأشلاء في كل النواحي .. سأحاول تفهّم منطقية رائحة الخزي المنبعثة من جثث المباديء الإنسانية الملقاة على حواف الشوارع المنكوبة بلا حراك ولا نفس .. لأنها لم تعد هي نفسها عندما كتبت في مقهىً مزدحم ذات ليلة على أنغامٍ كلاسيكية ناعمة وبجانبها فنجان قهوةٍ يعينها على قهر النعاس أو كأسٍ لعينٍ من الخمر ساعدها لتكتب مباديء مسكرةٍ لأرتالٍ من السكارى..
لا تؤاخذيني يا عزيزتي .. فلست أنا .. أنا .. وأنت لست عزيزتي كما الأمس .. طالما هو متاح لي أن أتنقل في سلّم الغرام كما تتنقل الأعداد في سلّمها بين الصفر واللانهاية الموجبة أو حتى السالبة .. لا تعتبي ولا تلومي طالما نحن اليوم في عالمٍ قفز عن سُلّم الحداثة وصار أتعس من عالم الأمس الذي أتحفنا بمبادئه وسردياته الديالكتيكية الجدلية .. فهل صدقت توقعاتك بي الآن ؟؟ .. وهل ستصدق توقعاتنا بعالم الغد الأجمل .. لا أعتقد ذلك ..

# بقلمي
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق