مقالات
مقالات إسثنائية.
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية – سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة: * جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك عنوان المقالة: * صناعة التغيير تبدأ من الداخل: انتصر على فوضاك أولًا (6-7-8-9-10-11-12)
بقلم : د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– في زمن تتراكم فيه الأزمات وتتقاطع فيه الضغوط، يصبح الحديث عن التغيير أمرًا مثقلًا بالتحديات، لكن الحقيقة التي لا بد أن يواجهها كل شاب طامح للتغيير هي أن الطريق لا يبدأ من الشارع، ولا من المنصات، ولا من قوانين تُسَنّ، بل يبدأ من نقطة واحدة: من داخلك أنت.
– الفوضى التي تعيشها في نفسك — بين أحلام مؤجلة، وقلق مستمر، وشتات فكري، وانكسارات لم تُرمَّم -هي أرض المعركة الحقيقية-. لا تنتظر أن تنصلح الأحوال من حولك قبل أن تبني ذاتك، انتصر على فوضاك، فهي العدو الأول الذي يمنعك من التحليق.
– من لا ينتصر على داخله، لن ينتصر في الخارج.
اسأل نفسك بصدق: كم مرة خططت أن تتغير وفشلت؟ كم مرة ندمت ثم عدت إلى ما ندمت عليه؟ السبب ليس ضعفًا فيك، بل لأنك لم تبدأ من الأساس: من الداخل، التغيير ليس زينة تضعها على وجهك، بل هو ثورة صامتة تبدأ من قلبك وفي عقلك، في ضميرك، في عاداتك، في خلوتك.
– كل نهضة إنسانية كبرى بدأت بانتصارات داخلية، موسى -عليه السلام- لم يواجه فرعون قبل أن يقضي سنوات في التكوين الداخلي، محمد ﷺ اختلى في غار حراء سنوات، يصوغ ذاته قبل أن يُبعث للعالمين، لماذا نستثني أنفسنا من هذا القانون الكوني؟
– إصلاح الداخل ليس مهمة سهلة، لكنه الطريق الأصدق، أن تنتصر على التسويف، أن تُحسن إدارة وقتك، أن تطهر نيتك، أن تروض نفسك على الصبر والعطاء والنظام؛ -هذه هي اللبنات الأولى لبناء قائد وصانع تغيير- لا تصدق أن العمل الفردي بلا قيمة؛ أكبر الإنجازات بدأت من فرد آمن بذاته.
– ولك أن تتخيل الفرق بين شاب يعيش صراعًا داخليًا غير محسوم، وآخر انتصر على ذاته: الأول تُحرِّكه الفوضى، يغضب سريعًا، ييأس بسهولة، لا يلتزم، ولا يثق بنفسه، أما الثاني، فمهما اشتدت الأزمات حوله، يظل ثابتًا، متماسكًا، ويزرع الأمل في من حوله.
* أيها الشاب:
لا تكن مجرد رقم في قائمة المنتظرين، ولا صوتًا في جوقة المشتكين، أنت بذاتك مشروع تغيير. فابدأ الآن، ولو بخطوة صغيرة، لا تقلق إن سقطت، لكن احرص أن تسقط إلى الأمام، عدّل أفكارك، نظف قلبك، رتّب وقتك، اضبط عاداتك… وسترَ كيف تنكسر الفوضى أمام عزيمتك.
– صناعة التغيير لا تأتيك على طبق من ذهب، بل تقتحمها بشجاعة، لكن اعلم أن أول غزواتك، وأشرف انتصاراتك، ستكون على جبهتك الداخلية، وهناك فقط تبدأ حكاية التغيير الحقيقي.
ولتعلم أن انتصارك الداخلي لا يكون لحظة واحدة، بل هو صراع يومي، يتجدد مع كل صباح، ويُختبر مع كل موقف، عندما تنهض من فراشك وتقاوم الكسل، حين تُغلق تطبيقًا يسرق وقتك لتفتح كتابًا أو تصلي ركعتين، حين تصمت بدل أن ترد بغضب… فهذه لحظات الانتصار الحقيقية، لا يُصنع الأبطال في ضوء الكاميرات، بل في ظلال المجاهدة، حين لا يراك أحد إلا الله.
– تأمل حال قلبك، فهو بوصلتك الحقيقية. لا تغيير خارجي يثمر ما لم يكن القلب موصولًا بالله، مشحونًا بالإخلاص، مطمئنًا بالذكر. إذا صلُحت النية وصدق التوكل، فإن خطوات التغيير ستتتابع بكل ثبات، استعن بالله، وابدأ بمعركة التهذيب، فالعون لا ينزل على الكسالى، بل على المجتهدين.
– ثم اعلم أن المجتمعات لا تتغير إلا حين يتغير أفرادها. فلا تكن مشغولًا فقط بخلاصك الفردي، بل فكّر بمن حولك، احمل النور الذي أضاء قلبك وامشِ به في دروب الآخرين. الكلمة الطيبة، القدوة الصالحة، والمبادرة في الإصلاح، كل ذلك هو امتداد لتغييرك الداخلي. أنت لست معزولًا، بل جزء من أمة تحتاجك وتمعّن في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرّعد:11)… ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* أما عنوان مقالة الغد مع المشيئة فهو: “جيل يقرأ… جيل يُغيّر: العودة إلى المعرفة الفاعلة”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1947)
* 03. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألخميس. 01.05.2025 م
مقالة مُلهمة، أقرأ لتكتشف ﴿﴾
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة:
* جيل يقرأ… جيل يُغيّر: العودة إلى المعرفة الفاعلة (7)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– في زمنٍ غزته الشاشات، وتوارى فيه الكتاب خلف العناوين البراقة والمقاطع السريعة، تبرز الحاجة إلى جيل لا يقرأ للثقافة فقط، بل يقرأ ليُغيّر، لأنّ القراءة الحقيقية ليست استهلاكًا ساكنًا للمعرفة، بل استثمارًا حيًّا يبني الوعي، ويوقظ الضمير، ويعيد تشكيل الإنسان من الداخل.
– جيلٌ يقرأ؟ نعم، ولكن ماذا يقرأ؟
أن يملأ الشاب هاتفه بملخصات سطحية وأخبار مُعلّبة ليس هو المقصود، نحن نتحدث عن جيل يقرأ ليفهم جذور أزمته، وتاريخ أمته، وأبعاد مستقبله، جيل لا يكتفي بحفظ المعلومة، بل يُعيد النظر فيها، ويطرح الأسئلة الحرجة: لماذا؟ وكيف؟ وإلى أين؟!
– القراءة الفاعلة هي تلك التي لا تُشبِع العقل وحده، بل تُلهب الإرادة وتحفّز السلوك. فهي ليست هروبًا من الواقع، بل وسيلة للانخراط فيه بوعي وهدف، من يقرأ القرآن بحقّ، لا يكتفي بتجويد لفظه، بل يسأل: كيف أُترجم قوله تعالى: ﴿إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم﴾ (الرعد: 11) في مجتمعي اليوم؟
– جيل التغيير لا ينتظر أن يُقال له ماذا يقرأ، بل يُنقّب، يختار، يُمحّص، إنه يقرأ للنهضة، لا للمباهاة، يقرأ ليُصلح لا ليُصنّف، يقرأ ليتقدّم لا ليتعالى.
– لقد آن لنا أن نُعيد ترتيب أولوياتنا: لسنا بحاجة إلى جيل يُتقن الجدل أكثر من الفعل، بل إلى من يلتقط من بطون الكتب أدوات النهضة، إلى من يفهم أن المعرفة ليست غاية، بل وسيلة لبناء الإنسان الحر، المتوازن، المستقل.
– جيلنا ليس أقل قدرة من الأجيال التي صنعت التغيير في الماضي، الفارق الوحيد أن أولئك قرأوا بوعيٍ وحملوا مسؤولية ما قرأوا، فحرّكوا الجبال، وغيّروا التاريخ، أما اليوم، فالمعرفة تفيض من كل اتجاه، لكن بدون وُجهة، بدون سؤال: ماذا بعد؟ ما الذي عليّ فعله؟
عودتنا إلى المعرفة الفاعلة ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة مصيرية، فالأمة التي تفقد شغفها بالقراءة، تفقد بوصلتها، والأمة التي يُحسن أبناؤها القراءة، يُحسنون البناء، لا تغيير بلا وعي، ولا وعي بلا معرفة، ولا معرفة بلا قراءة تُنبت فينا جذور النهوض.
– جيل التغيير لا يقبل أن يكون مجرد مستهلك للمعلومة، بل صانعًا لها، يقرأ التاريخ ليكشف مواضع العطب، ويقرأ الواقع ليقترح الحلول. إنّه جيل يعرف أن القراءة ليست ملاذًا للنخبة، بل حقٌّ للجميع، وسلاحٌ ناعمٌ لا يقل أثرًا عن كل أدوات النضال، ومن قرأ جيدًا، فهم مجتمعه، وحين يفهم، يكون التغيير أولى خطواته.
– إنّ بناء مجتمع قارئ لا يبدأ من الجامعات، بل من الحكاية الأولى التي تُروى للطفل، من الأسئلة التي لا تُسكَت، من الآباء الذين يُمسكون الكتاب قبل الهاتف. نحتاج إلى ثقافة تُشجّع السؤال، لا تُخيف منه؛ تُحبّب في البحث، لا تُضيّق على المختلف، فحين تُفتح نوافذ المعرفة في البيوت، تهبّ على الأمة رياح التغيير.
ولكي تكون المعرفة فاعلة فعلًا، يجب أن تتجسّد في سلوكنا، في اختياراتنا، في طريقة تفكيرنا، ليس كافيًا أن نقرأ عن العدالة ونُمارس الظلم، أو أن نُعجب بقصص الشجاعة ونبقى في منطقة الراحة،
– القارئ الحقيقي هو الذي يرى في كل فكرة مسؤولية، وفي كل معرفة أمانة، وفي كل لحظة وعي بداية رحلة تغيير، فلنقلها بصدق: إذا أردنا جيلًا يغيّر، فلنربِّ في بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا وشاشاتنا جيلًا يقرأ… لا من أجل أن يقرأ فقط، بل من أجل أن يُغيّر، لأن التغيير يبدأ من الداخل، فإنّ القراءة الحقّة تخلخل القناعات البالية، وتُعيد بناء التصورات وفق نور الوحي والعقل، فكم من آيةٍ قرأناها، لكنها لم تُحدِث فينا رجفةَ وعي! ﴿أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها﴾، (محمد: 24)، هذا سؤال لا يُوجّه لغيرنا، بل لنا نحن الذين نملك المصحف ونفتقد التأمل، إنّ القراءة المتدبرة هي مفتاح تحرير العقل، وبوابة إصلاح الفرد والمجتمع. ويطوووول الحديث… ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* أما عنوان مقالة الغد مع المشيئة فهو: ” منصات التواصل… أداة ترف، أم سلاح تغيير؟ ”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين. جمعة مباركة
* مقالة رقم: (1948)
* 04. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألجمعة. 02.05.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)
مقالة تُعمّق الوعي، وتُحمّل المسؤولية
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة:
* منصات التواصل… أداة ترف، أم سلاح تغيير؟ (8)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– في كل مرة نمسك هواتفنا ونتصفح الشاشات، نقف على مفترق طريقين: طريق التسلية، وطريق التغيير. بين ضغطة إعجاب على صورة غداء فخم، ومشاركة وعي تنقذ فكرة أو تحرك ضميراً، تتحدد هويتنا الرقمية، فهل منصات التواصل مجرد أداة ترفية نضيع بها أوقاتنا؟ أم أنها سلاح بأيدينا، نغيّر به الواقع ونكتب به تاريخًا جديدًا؟
* من الشاشات إلى الذات
لقد فَتَحت لنا هذه المنصات نوافذ على العالم، لكن الأهم أنها فتحت أبوابًا على أنفسنا، هي ليست فقط شاشات مضيئة، بل ساحات معارك، وميادين نِزال، ومواسم زرع لمن أراد الحصاد، وهنا يُطرح السؤال العميق: كيف يوظّف جيل التغيير هذه الأدوات؟ هل نكتفي بردّات الفعل، أم نصنع المبادرات؟ هل نتابع ما يُبث، أم نُنتِج ما يستحق المتابعة؟
* المنصة تصنع الثورة
لقد غيّر الشباب ملامح التاريخ المعاصر من خلف شاشات هواتفهم، حناجرهم الافتراضية دوّت في ميادين الواقع، من منصة صغيرة انطلقت حملات اجتماعية، وقضايا سياسية، وثورات فكرية، لم يعد التغيير حِكرًا على منابر النُّخب، بل صار في متناول من يملك هاتفًا وفكرة وقلبًا نابضًا.
* ترف أم وعي؟
الترف ليس في المنصة، بل في طريقة استخدامها، عندما تُستهلك ساعات طويلة في متابعة تفاهات صُنّاع محتوى بلا مضمون، يصبح التواصل عبئًا على الوعي، أما حين تتحول المنصة إلى جسر يربط الهمّ الفردي بالقضية الجماعية، فإنها تغدو سلاحًا لا يُستهان به، وهنا يتحدد الفارق بين من يرى في الإنترنت ملعبًا للهو، ومن يراه ساحةً للنهوض.
* اصنع دورك ولا تنتظره
جيل التغيير لا يحتاج إذن للبدء، بل إلى يقظة ضمير، لا تنتظر أن يُمنح لك دور البطولة في رواية غيرك، بل اكتب روايتك، لا تنتظر ترندًا عالميًا لتُغرد؛ -الترند يعني: ظاهرة تجذب الانتباه على منصات التواصل-
بل اجعل صوتك هو الترند، واجعل من المنصة منبرًا، لا مرآةً لغرورك، اجعلها سلاحًا ينطلق من وعيك، لا لعبةً تسرِق وقتك.
* ساحات الجهاد المعرفي
ليست كل معركة تُخاض بالسلاح، فبعضها يُخاض بالكلمة، بالصورة، بالبسمة، بالصدق، بالإصرار، وما دامت الكلمة الحرة تصنع التغيير، فإن منصات التواصل هي ساحات الجهاد المعرفي في زمن الرقمنة.
* منصات التواصل كبيئة تربوية
منصات التواصل ليست مجرد أدوات تقنية، بل بيئات تربوية تشكّل عقول الشباب وقيمهم، ما يُعرض فيها من نماذج وسلوكيات يتحول سريعًا إلى مرجع للسلوك والذوق العام، ولذا فإن ترك الساحة خالية لمن لا يملك رؤية، يتيح للفوضى أن تتكلم بصوت أعلى، وهنا يظهر دور صانع المحتوى الواعي، الذي لا يستهين بقيمة منشور، ولا يستهلك الوقت في الهامش، بل يصنع من كل حرف رسالة ومن كل صورة مشروعًا توعويًا.
* سلطة المستخدم على المنصة
كما تؤثر المنصات في المستخدمين، فإن المستخدمين أنفسهم يؤثرون في طبيعة المنصات واتجاهاتها. فخوارزميات الترشيح لا تعمل في الفراغ، بل تستجيب لما يستهلكه الناس ويشاركونه، ومن هنا فإن وعي الفرد بما يروّج له وما يدعمه، يُحدث فرقًا في المنصة ككل، ولو أدرك الشباب قوة اختياراتهم في توجيه الذوق العام، لتعاملوا مع كل نقرة كصوت انتخابي يقرّر شكل الوعي الجمعي.
* من التفاعل إلى التخطيط
التغيير ليس مجرد فكرة مثالية، بل خطة يُصنع جزء كبير منها على هذه المنصات، إنَّ قدرة جيل اليوم على توحيد الرؤية، وبث رسائل متناسقة تعبّر عن آلام الناس وآمالهم، يمكن أن تساهم في إعادة تشكيل أولويات مجتمع بأكمله، فمن يتقن استخدام هذه المنصات لا كترفٍ عابر، بل كأداة استراتيجية، يستطيع أن يساهم في خلق وعي جديد، وتأسيس مرحلة عنوانها: نحن من يصوغ الموجة، ولسنا من ينجرف خلفها.
* خاتمة
منصات التواصل ليست ترفًا عابرًا، بل سلاحًا بأيدينا، نوجّهه بوعينا إما لصناعة واقع أفضل أو لتمديد لحظات اللهو، وجيل التغيير لا ينتظر دوره، بل يصنعه، منشورًا بعد منشور، ورسالةً بعد أخرى، حتى يصبح هو النبض الفعلي لتحولات مجتمعه… ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* أما عنوان مقالة الغد مع المشيئة فهو: ” أعد تعريف النجاح: من الإنجاز الفردي إلى الأثر الجماعي ”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين. جمعة مباركة
* مقالة رقم: (1949)
* 05. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألسبت. 03.05.2025 م
مقالة تُعمّق الوعي، وتُحمّل المسؤولية
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة:
* أعد تعريف النجاح: من الإنجاز الفردي إلى الأثر الجماعي. (9)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– في عالمٍ طغت فيه النماذج الفردية للنجاح، وتصدّرت فيه قصصُ الصعود الشخصي المشهد، نحتاج إلى وقفةٍ نعيد فيها تعريف ما يعنيه “النجاح” حقًا، هل هو تحقيق الشهرة؟ أم جمع المال؟ أم نيل المناصب؟ أم أن للنجاح وجهًا آخر، أعمق وأكثر رسوخًا: أثرٌ يلامس الآخرين، ويبني مجتمعًا، ويزرع في الأرض بذورًا تُثمر بعدك؟
النجاح الفردي، وإن بدا برّاقًا، قد يتحول إلى فقاعة عابرة ما لم يتجاوز صاحبه حدود “الأنا”. نعم، لا يمكن إنكار قيمة الاجتهاد الشخصي، لكن التحدي الحقيقي يبدأ عندما نحمل ما أنجزناه لأنفسنا، ونجعل منه مصدر نفعٍ لغيرنا. فالطالب المتفوق، ليس فقط من يحصد أعلى العلامات، بل من يجعل تفوقه جسراً لخدمة زملائه. والمعلم المبدع، ليس فقط من يُتقن مادته، بل من يوقظ في طلابه روح البحث والتغيير.
* من الذات إلى الجماعة
– جيل التغيير الحقيقي لا يرى في نجاحه نقطة نهاية، بل بداية مسؤولية، من ظفر بالعلم، صار مسؤولاً عن نشره، ومن نال فرصة، صار مطالبًا بتمكين غيره، هذه هي روح الرسالات العظمى، وهذا ما جسّده الأنبياء والمصلحون: حيثُ أنّ رسالتهم لم تكن خلاصًا شخصيًا، بل مشروع بناء شامل للأمم، ولنا في سيرة النبي محمد ﷺ أروع مثال: كان بإمكانه أن يكتفي بنجاحه كصادق أمين في قومه، لكنه حمَل رسالةً غيرت مجرى التاريخ، ووجّه طاقاته لبناء أمة، لا لمجرد تحقيق مكانة ذاتية.
* معايير جديدة للنجاح
– نحن بحاجة إلى إعادة ضبط البوصلة، النجاح ليس أن يُذكر اسمك وحدك، بل أن تُذكر آثارك في حياة الآخرين، ليس أن تصل القمة وحدك، بل أن ترفع معك من حولك،
ولكي يتحقق ذلك، علينا أن ننقل تركيزنا من:
• “ماذا أنجزتُ لنفسي؟” إلى “ماذا غيّرت في مجتمعي؟”
• “كم ربحت؟” إلى “كم أثّرت؟”
• “كم تابعني الناس؟” إلى “كم استفاد الناس مني؟”
* جيل التغيير يبدأ من هنا
أيها الشاب، أيتها الشابة: لا تنتظر أن يأتي التغيير من الأعلى، التغيير يولد حين تؤمن أن أثرك الصغير، في بيئتك، في حيّك، في مدرستك، قد يكون شرارةً لمشروع كبير، ابدأ بمبادرة، علّم غيرك مما تعلمت، طوّر فكرة تخدم مجتمعك، كُن قائدًا في زاويتك.
* العطاء لا يُنقِص النجاح بل يباركه
– من الأخطاء الشائعة أن النجاح الجماعي يُزاحم النجاح الفردي، وكأن العطاء للناس يخصم من رصيدك الشخصي. لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا؛ فالنجاح الذي لا يُشارك يتحوّل مع الوقت إلى عبء، بينما النجاح الذي يُهدي بصمته للمجتمع يصبح بركة ممتدة، وكلما اتسع نطاق عطائك، اتسع رزقك، وتعاظمت مكانتك، حتى دون أن تطلب ذلك، قال رسول الله ﷺ: “خيرُ الناسِ أنفعُهم للناس”، وهذه قاعدة ذهبية لمن أراد أن يُكتب اسمه في ذاكرة الزمن.
* من الأثر الفردي إلى النهضة المجتمعية
– حين يتحول كل فردٍ في المجتمع إلى لبنة بناء، يصبح لدينا مشروع حضاري، لا تقوم الأمم على عباقرة معزولين، بل على أجيال تعي دورها وتفهم أن التغيير يبدأ من كل بيت، من كل فكرة، من كل سلوك، إن الانتقال من ثقافة “أنا” إلى ثقافة “نحن” هو ما يصنع الفرق، فكّر في النجاح وكأنك تغرس شجرةً: قد لا تأكل من ثمرها اليوم، لكن غيرك سيفعل، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.
* التأثير لا يحتاج شهرة
قد يظن البعض أن التأثير يتطلب منصة ضخمة أو جماهير غفيرة، لكن الحقيقة أن أعظم التغييرات تبدأ في الظل، كلمة طيبة، نصيحة مخلصة، مساعدة خفية، كلها تزرع في القلب بذورًا تنبت ولو بعد حين، لا تستهِن بأثرك، ولا تنتظر تصفيقًا، فالله يرى، ويكافئ، ويُبارك في العمل الصادق وإن لم يُشاهد، فرُبّ موقف صغير منك يُغير مسار حياة إنسان.
وأخيرًا…
النجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد الجوائز، بل بعدد القلوب التي مستها، والعقول التي أنرتها، والنفوس التي أطلقت فيها الأمل، عش لتكون علامة فارقة في حياة غيرك، وستجد أن الله يبارك خطواتك، ويجعل لعملك امتدادًا لا ينتهي.
أخي: أعد تعريف النجاح… واجعل إنجازك الفردي سلّمًا نحو أثر جماعي، يعمّ نوره الجميع.
ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* أما عنوان مقالة الغد مع المشيئة فهو: ” القدوة الغائبة… وهل ننتظرها أم نكوّنها؟ ”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1950)
* 06. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألأحد. 04.05.2025 م
مقالة تُعمّق الوعي، وتُحمّل المسؤولية
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة:
* أعد تعريف النجاح: من الإنجاز الفردي إلى الأثر الجماعي. (9)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– في عالمٍ طغت فيه النماذج الفردية للنجاح، وتصدّرت فيه قصصُ الصعود الشخصي المشهد، نحتاج إلى وقفةٍ نعيد فيها تعريف ما يعنيه “النجاح” حقًا، هل هو تحقيق الشهرة؟ أم جمع المال؟ أم نيل المناصب؟ أم أن للنجاح وجهًا آخر، أعمق وأكثر رسوخًا: أثرٌ يلامس الآخرين، ويبني مجتمعًا، ويزرع في الأرض بذورًا تُثمر بعدك؟
النجاح الفردي، وإن بدا برّاقًا، قد يتحول إلى فقاعة عابرة ما لم يتجاوز صاحبه حدود “الأنا”. نعم، لا يمكن إنكار قيمة الاجتهاد الشخصي، لكن التحدي الحقيقي يبدأ عندما نحمل ما أنجزناه لأنفسنا، ونجعل منه مصدر نفعٍ لغيرنا. فالطالب المتفوق، ليس فقط من يحصد أعلى العلامات، بل من يجعل تفوقه جسراً لخدمة زملائه. والمعلم المبدع، ليس فقط من يُتقن مادته، بل من يوقظ في طلابه روح البحث والتغيير.
* من الذات إلى الجماعة
– جيل التغيير الحقيقي لا يرى في نجاحه نقطة نهاية، بل بداية مسؤولية، من ظفر بالعلم، صار مسؤولاً عن نشره، ومن نال فرصة، صار مطالبًا بتمكين غيره، هذه هي روح الرسالات العظمى، وهذا ما جسّده الأنبياء والمصلحون: حيثُ أنّ رسالتهم لم تكن خلاصًا شخصيًا، بل مشروع بناء شامل للأمم، ولنا في سيرة النبي محمد ﷺ أروع مثال: كان بإمكانه أن يكتفي بنجاحه كصادق أمين في قومه، لكنه حمَل رسالةً غيرت مجرى التاريخ، ووجّه طاقاته لبناء أمة، لا لمجرد تحقيق مكانة ذاتية.
* معايير جديدة للنجاح
– نحن بحاجة إلى إعادة ضبط البوصلة، النجاح ليس أن يُذكر اسمك وحدك، بل أن تُذكر آثارك في حياة الآخرين، ليس أن تصل القمة وحدك، بل أن ترفع معك من حولك،
ولكي يتحقق ذلك، علينا أن ننقل تركيزنا من:
• “ماذا أنجزتُ لنفسي؟” إلى “ماذا غيّرت في مجتمعي؟”
• “كم ربحت؟” إلى “كم أثّرت؟”
• “كم تابعني الناس؟” إلى “كم استفاد الناس مني؟”
* جيل التغيير يبدأ من هنا
أيها الشاب، أيتها الشابة: لا تنتظر أن يأتي التغيير من الأعلى، التغيير يولد حين تؤمن أن أثرك الصغير، في بيئتك، في حيّك، في مدرستك، قد يكون شرارةً لمشروع كبير، ابدأ بمبادرة، علّم غيرك مما تعلمت، طوّر فكرة تخدم مجتمعك، كُن قائدًا في زاويتك.
* العطاء لا يُنقِص النجاح بل يباركه
– من الأخطاء الشائعة أن النجاح الجماعي يُزاحم النجاح الفردي، وكأن العطاء للناس يخصم من رصيدك الشخصي. لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا؛ فالنجاح الذي لا يُشارك يتحوّل مع الوقت إلى عبء، بينما النجاح الذي يُهدي بصمته للمجتمع يصبح بركة ممتدة، وكلما اتسع نطاق عطائك، اتسع رزقك، وتعاظمت مكانتك، حتى دون أن تطلب ذلك، قال رسول الله ﷺ: “خيرُ الناسِ أنفعُهم للناس”، وهذه قاعدة ذهبية لمن أراد أن يُكتب اسمه في ذاكرة الزمن.
* من الأثر الفردي إلى النهضة المجتمعية
– حين يتحول كل فردٍ في المجتمع إلى لبنة بناء، يصبح لدينا مشروع حضاري، لا تقوم الأمم على عباقرة معزولين، بل على أجيال تعي دورها وتفهم أن التغيير يبدأ من كل بيت، من كل فكرة، من كل سلوك، إن الانتقال من ثقافة “أنا” إلى ثقافة “نحن” هو ما يصنع الفرق، فكّر في النجاح وكأنك تغرس شجرةً: قد لا تأكل من ثمرها اليوم، لكن غيرك سيفعل، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.
* التأثير لا يحتاج شهرة
قد يظن البعض أن التأثير يتطلب منصة ضخمة أو جماهير غفيرة، لكن الحقيقة أن أعظم التغييرات تبدأ في الظل، كلمة طيبة، نصيحة مخلصة، مساعدة خفية، كلها تزرع في القلب بذورًا تنبت ولو بعد حين، لا تستهِن بأثرك، ولا تنتظر تصفيقًا، فالله يرى، ويكافئ، ويُبارك في العمل الصادق وإن لم يُشاهد، فرُبّ موقف صغير منك يُغير مسار حياة إنسان.
وأخيرًا…
النجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد الجوائز، بل بعدد القلوب التي مستها، والعقول التي أنرتها، والنفوس التي أطلقت فيها الأمل، عش لتكون علامة فارقة في حياة غيرك، وستجد أن الله يبارك خطواتك، ويجعل لعملك امتدادًا لا ينتهي.
أخي: أعد تعريف النجاح… واجعل إنجازك الفردي سلّمًا نحو أثر جماعي، يعمّ نوره الجميع.
ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* أما عنوان مقالة الغد مع المشيئة فهو: ” القدوة الغائبة… وهل ننتظرها أم نكوّنها؟ ”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1950)
* 06. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألأحد. 04.05.2025 م
مقالة مُلهِمة، فقط تابع لتكتشف
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة:
* القدوة الغائبة… وهل ننتظرها أم نكوّنها؟ (10)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
– في زمنٍ تتسارع فيه التحوّلات، وتتشابك فيه المفاهيم، يبحث جيلنا عن وجهٍ يطمئن إليه، وصوتٍ يُصغي له دون ضجيج المصالح، وعقلٍ يرشده حين تتعالى أمواج الحيرة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: أين القدوة؟ لماذا يغيب النموذج الذي نتمسّك به ونحاكيه؟ وهل نحن في حالة انتظار دائم لـ”المخلّص”، أم آن الأوان أن نصوغ القدوة من بين صفوفنا، من دمنا وعَرَقِنا؟
– لقد مرّت مجتمعاتنا، خاصة في العالم العربي والإسلامي، بمراحل متعددة من الاغتراب: اغتراب عن الذات، عن القيم، وعن الرموز، ففي حين كانت الأجيال السابقة تنظر إلى العلماء والمصلحين والمجاهدين والروّاد كقدوات يُقتدى بها، وجد جيل اليوم نفسه أمام نماذج صنعتها الشاشات لا المبادئ، وأبطالٍ أفرغتهم الشهرة من المعنى، فخسروا جاذبيتهم الحقيقية.
– إن الإسلام قدّم لنا نموذجًا متكاملًا للقدوة في شخص النبي محمد ﷺ حين قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، (الأحزاب: 24) وهو قدوة في القول والعمل، في الخلق والموقف، في الرحمة والثبات. لكن المشكلة اليوم أن هذا النموذج العظيم تراجع حضوره العملي في حياتنا، وانحصر في الطقوس، لا في السلوك والفِعل والتأثير.
– القدوة ليست فقط شخصًا يُحسن الخطابة أو يملك عددًا كبيرًا من المتابعين، بل هي منظومة متكاملة من الأخلاق، والسلوك، والرؤية، والثبات على القيم في زمن الانهيار، هي ذاك الذي إذا رأيته، سعَيت لأن تكون أفضل، وإذا غاب، بقي أثره فيك كالنور الذي لا ينطفئ.
وغياب القدوة اليوم ليس دليلًا على انعدامها، بل هو نتيجة لعدة عوامل: تهميش الكفاءات، وتضييق على الأحرار، واحتكار المنصات من قبل من لا يحملون مشروعًا حقيقيًا للنهوض، بالإضافة إلى الإحباط المتراكم في نفوس الشباب، والذي يجعلهم يشكّكون في كل شيء، حتى في إمكانيّة وجود من يستحق أن يُتّبع.
– لكن الخطأ الأكبر ليس في الغياب، بل في الانتظار. الانتظار السلبي للقدوة هو استقالة داخلية من المسؤولية، وتفويض خفيّ للزمن كي يُصلح ما أفسده البشر، فجيل التغيير لا ينتظر من يغيّره، بل يُقرّر أن يكون هو التغيير، أن ينحتَ من ذاته مشروع قدوة، حتى وإن كانت متواضعة في بدايتها.
– لقد ربّى النبي محمد ﷺ أصحابه على أن يكون كل واحد منهم قدوة في موقعه، فقال: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”، فالمسؤولية ليست حكرًا على أحد، بل تكليف فردي لكل من أراد أن يغيّر من واقعه.
– نحن بحاجة إلى أن نُعيد تعريف القدوة، ليست تلك الأسطورة التي لا تخطئ، بل الإنسان الذي يسير رغم الأخطاء، ويتعلّم، ويعترف، ويكافح، القدوة هو ذاك الشاب الذي يرفض الفساد في وظيفته، وذاك الأب الذي يُربّي أبناءه على الصدق في زمن الخداع، وتلك الفتاة التي تحافظ على حيائها وسط الانفلات، هم كثيرون، لكنهم يعملون بصمت… ولا تسلّط الأضواء عليهم.
جيل التغيير لا يُربّى فقط على التنديد بالفراغ، بل على ملئه، ليس من خلال صنع قدوة خارقة، بل من خلال تكوين مجتمع القدوات؛ حيث يكون كل فرد نورًا صغيرًا، حتى تكتمل لوحة النور الكبرى، فحين تتكامل القدوات الصغرى في المدارس، والمساجد، والبيوت، ومراكز التأثير، تُولد القدوة الكبرى التي يُجمع عليها الناس.
– فهل ننتظر؟ لا. بل نصنع، نربّي، ندرّب، نُمكّن، ونمنح الثقة لكل بذرة صلاح في جيلنا. فالقدوة ليست وهماً غائبًا… بل مشروعًا نبدأه نحن.
– ولعلّ أجمل ما نختم به، هو أننا لسنا مطالبين بالكمال حتى نكون قدوات، بل بالصدق، بالنية الطيبة، وبالإصرار على أن نكون لبِنة في بناء النهضة، لا حجر عثرة في طريقها، إن طفلاً يراك مخلصًا، وشابًا يسمعك تتكلم بضمير، وامرأة تراك تقاوم التيار لتبقى على عهدك… كل هؤلاء سيُعيدون ترتيب مفهوم القدوة في داخلهم، فلنكن نحن ما نبحث عنه في غيرنا، فربما نكون في أعينهم “القدوة التي كانوا ينتظرونها”.. ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* أما عنوان مقالة الغد مع المشيئة فهو: “لا وقت للتردد: القرار الصغير قد يفتح بابًا كبيرًا ”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1951)
* 07. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألأثنين. 05.05.2025 م
مقالة مُلهِمة، فقط تابع لتكتشف
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة:
* لا وقت للتردد: القرار الصغير قد يفتح بابًا كبيرًا (11)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
في مسيرة التغيير، لا تكون العقبة الكبرى في ضعف الإمكانات أو غياب الفرص، بل كثيرًا ما تكمن في لحظة تردّد تُفلت فيها منا نوافذ الإنجاز، نحن لا ننحدّث نقصٍ في القدرات، وإنما نُصاب أحيانًا بالتردد الذي يعطّل الخطى ويُضيّع المبادرات، كم من شاب راوده حلم التغيير ثم كبّله التردد؟ وكم من فتاة امتلكت فكرةً ناضجة لكنها أخّرت التنفيذ، فسبقتها الأحداث وتجاوزها الزمن؟
القرار الصغير: نقطة انطلاق قد تغيّر الحياة
إن القرار الصغير، ولو بدا بسيطًا، قد يكون مفتاحًا لبابٍ كبير، ومدخلًا لتحوّل غير متوقع، المبادرة تبدأ بخطوة، قد تكون مكالمة، رسالة، فكرة تكتبها أو مشروعًا تطلقه دون ضجيج، كل هذا ليس تفصيلًا هامشيًا، بل فعلٌ مؤثر، قد يغيّر مجرى حياة فرد أو وجهة مجتمع بأسره.
تعاليم دينية في اتخاذ القرار
الدين الإسلامي ذاته يُعلّمنا الإقدام والثقة واتخاذ القرار، وينبذ الوهن والتردد، يقول النبي ﷺ : «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز» (رواه مسلم، رقم 2664). إنها دعوة وحيٍ إلهي للجَد، وعدم التردد، والسعي لما فيه نفع، ولو من باب صغير.
العزم والتوكل: الآية القرآنية دليلاً للقرار
إننا نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ (آل عمران: 159)، وهي آية عظيمة تختزل منهجَ حياتيًا: العزم أولًا، ثم التوكل، ثم الانطلاق، فلا مكان للجمود في قاموس المؤمن، ولا وقت للانتظار حين تحين لحظة القرار.
التغيير من الداخل: اتخاذ القرار في العمل وبناء المجتمع
تأمّل واقع شبابٍ قرر أن يبدأ بتغيير محيطه، فلم ينتظر تعليمات من أحد. بادر إلى تنظيف حارته، أو تنظيم نشاط ثقافي، أو إطلاق حملة توعوية، البداية قد تكون صغيرة، لكنها صادقة، وقد يتسع أثرها مع الزمن، وتكبر لتصبح نموذجًا ملهمًا.
جيل التغيير: صناعة الفرص بدلاً من الانتظار
جيل التغيير لا ينتظر أن يُمنح الدور، بل يصنعه، لا يطرق باب الانتظار، بل يصنع مفاتيح الأمل من داخله، إننا نملك في داخلنا ما يكفي من الإلهام والطاقة لنبدأ، لكننا نؤجّل ونخشى، فيُفلت منّا العمر دون أيّ إنجاز، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت: 69)، فالمجاهدة تسبق الهداية، والحركة تسبق الفتح، والعمل يسبق التيسير.
التردد: عائق أمام النمو الشخصي
إن التردد لا يُبقيك في مكانك فقط، بل يُرجعك خطوات إلى الوراء، بينما القرار، حتى وإن كان بسيطًا، قد يغيّرك من الداخل، يوقظ عزيمتك، ويعيد تشكيل وعيك ومكانتك، وليس عليك أن تنتظر الإجماع أو الكمال، بل أن تتحرك بما لديك، وتثق أن الخطوة الأولى هي الأعظم.
القرارات الصغيرة: سر النجاح الكبير
القرار الصغير يمكن أن يكون نقطة التحول التي تبدأ منها مشاريعك وأحلامك، لكن كثيرين يظنون أن القرارات الكبرى هي التي تُحدِث الفرق، وهذا غير صحيح؛ أحيانًا يكون القرار الذي يبدو صغيرًا، كمثال تحدي خوفك من التحدث أمام الناس، هو الذي يمهد الطريق لنجاحات أكبر، لذلك، لا تستهن بالقرارات التي تبدو لك عادية، ففيها يكمن النمو والتحول.
فتح الأبواب: لا تخشى اتخاذ القرار
افتح الباب، امضِِ وكن على يقين أن الله مع الذين يبدأون بصدق، ولو كانت بداياتهم متواضعة.
القرار الصغير: بداية لرحلة طويلة
عندما تبدأ باتخاذ القرارات الصغيرة، ستلاحظ أن تلك القرارات تتوالى، وتصبح أكثر سهولة وأقل ترددًا، كل قرار صغير تعقبه خطوة جديدة نحو النجاح، وشيئًا فشيئًا، يتكون لديك سجل من الإنجازات، الخطوات التي كانت يومًا محط تردد تصبح اليوم محفزات كبيرة تفتح أمامك أبواب النجاح.
قد لا ترى أثر قرارك الصغير فورًا، ولكن مع مرور الوقت، ستدرك أن تلك الخطوات التي لم تعِرها اهتمامًا كانت الأساس الذي بنيت عليه مستقبلك، فالحياة ليست سلسلة من القفزات الكبيرة بل تراكم من الخطوات الصغيرة التي تسهم في تشكيلنا وفي تطورنا الشخصي والمهني.
استثمر في اللحظة الحالية
في عالم يتسارع كل يوم، لا يمكننا أن نتحمل رفاهية التردد لفترة طويلة، اللحظة الحالية هي كنز ثمين يجب أن نغتنمه، التأجيل والتسويف ليسا إلا شكلًا من أشكال الهروب من المسؤولية، قد يبدو اتخاذ القرار فورًا أمرًا مخيفًا، لكنه في الواقع ينقلك خطوة إلى الأمام ويقلل من عبء التفكير المفرط، إننا نواجه الكثير من القرارات اليومية التي قد تبدو تافهة، ولكن قدرتنا على اتخاذها بحسم تُعدّ عاملاً رئيسيًا في نجاحنا أليسَ كذلك؟… ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* أما عنوان مقالة الغد وهي الأخيرة في السلسلة مع المشيئة فهو: ” ماذا ستقول لأطفالك عن دورك حين كان التغيير ممكنًا؟ ”
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1952)
* 08. ذو القِعدة . 1446 هـ
* ألثلاثاء. 06.05.2025 م
مقالة مُلهِمة وعمليّة، فقط تابع لتكتشف
رؤية
* هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية –
سلسلة مكونة من إثنَتَيْ عشرَة مقالة، عنوان السلسلة:
* جيل التغيير: لا تنتظر دورك، اصنعه بنفسك
عنوان المقالة الأخيرة في السلسلة:
* ماذا ستقول لأطفالك عن دورك حين كان التغيير ممكنًا؟ (12)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
تابع هذه المقالة المميزة من خلال هذه النقاط المحددة.
1. السؤال الذي لن يفوتك
حين يسألك طفلك بعد أعوام: “أبي، أمي… ماذا فعلتما حين كانت البلاد تغرق في الفوضى، والمجتمع يئن تحت وطأة الظلم والفوضى والتراجع؟”، فبماذا ستُجيب؟
لن يكون سؤالًا عابرًا، بل محكمة ضمير مؤجلة، تنتظرك عند أبواب المستقبل.
2. الهروب من السؤال… ليس خلاصًا
ربما تظن أن بإمكانك التهرب من الإجابة، أو إقناع نفسك أن الوقت لم يكن مناسبًا، أو أن صوتك لم يكن ليُسمع، لكنّ الحقيقة أنّ كل لحظة صمتٍ عن الحق هي لحظة إثم، وكل تأجيل لعمل يُصلح هو خيانة للأمل.
3. ما الذي منعك؟
هل كان الخوف؟ أم حب الراحة؟ أم قناعة باطلة وهي: أن لا فائدة؟.
كل واحد منا كان يمكنه أن يصنع فرقًا، صغيرًا كان أو كبيرًا، أن ترفض الظلم، أن تصنع وعيًا، أن تربي أبناءك على الكرامة، أن تكتب، أن تعلّم، أن تُلهم… كلها إجابات صادقة، تشفع لك أمام الأجيال القادمة.
4. التغيير لا يُنتظر بل يُصنع
من قال إننا نحتاج إذنًا لنُغيّر؟ التاريخ لا يُكتب بانتظار الضوء الأخضر، بل باندفاع أولئك الذين آمنوا أن الحق لا يحتاج إذنًا، أن تكون فردًا في زمن التراجع لا يجعلك ضعيفًا، بل يجعلك شجاعًا من طراز نادر.
5. الشجاعة ليست صراخًا
الشجاعة أن تثبت حين يتراجع الجميع، أن تكون نزيهًا حين يبرّر الكل خيانتهم للأمانة، أن تقول كلمة صدق حين تكون الكلمة تُهمة، فالتغيير لا يُقاس بالحجم، بل بالصدق والإخلاص والنية.
6. حين تسأل نفسك: أين كنت؟
قبل أن يسألك غيرك، إسأل نفسك بصدق: أين كنت؟ وماذا فعلت؟ هل كنت حيًا بين الأحياء، أم رقمًا في الإحصاء؟
لا تجعل إجابتك صمتًا باهتًا، بل أثرًا حيًا.
7. لا تكن سطرًا في الهامش
جيل التغيير الذي حلمنا به، لا يُنتظر، بل يُصنع، مِن شابٍ قال لا حين طُلب منه أن يصمت، من فتاة رفضت أن تكون نسخة، من معلمٍ ربّى، من كاتبٍ نطق، من تاجرٍ صدق، من أمّ غرسَت، ومن أبٍ حضنَ، كل موقف صغير يزرع في الأرض أثرًا، ويُنبت في السماء قصة.
8. التغيير لا يُنجز من فراغ
التغيير لا يحدث في محاضرات أو منشورات فقط، بل في المواقف اليومية، حين تقاوم الفساد في وظيفتك، وتربّي أبناءك على المروءة، وتدعم المبادرات الطيبة، فأنت تسهم في بناء واقع جديد، لا تستهِن بأثرك.
9. بين جيلين: الإرث والمصير
لسنا أوّل من واجه الأزمات، لكننا ربما نكون الأكثر صمتًا، آباؤنا عاشوا تحت الاحتلال والاستبداد ولم يسكتوا، فهل نسكت نحن أمام التحديات الرقمية، والانحرافات الاجتماعية، والاحتلال الثقافي؟ لا نملك رفاهية الحياد.
10. أعذارك لا تُورث
إذا أورثنا أبناءنا أعذارنا، فماذا سيورثون لأبنائهم؟ التبرير عدوى، والمثبطون سلالة لا تنقرض إلا إذا قاطعناهم بالفعل والعمل والإرادة، دع أبناءك يرثون شرف المحاولة لا خيبة الانسحاب.
11. رسائل لن تنساها الأجيال
سيأتي وقت تُروى فيه قصتك، سواء شئت أم أبيت، هل ستكون حكايتك ملهمة تُتداول في المجالس، أم مملة تُختصر بجملة: “لم يفعل شيئًا”؟.
لا تستهِن بقيمة القصة، ولا تستخف بأثر الخطوة الأولى.
12. من لا يُشارك في البناء، يُحمّل مسؤولية الانهيار
كل من انسحب من معركة الإصلاح، كان شريكًا في تعميق الأزمة، الحياد في زمن الانهيار ليس حيادًا، بل موقف سلبي يزيد الطين بلة، اختر أن تكون في صف البناء، لا في ظلال الهروب.
13. خاتمة السلسلة: اجعل قصتك تستحق أن تُروى
لا تسأل فقط: “ما الذي تغيّر؟”، بل اسأل: “ما الذي غيّرته أنا؟”
اكتب قصتك بأفعالٍ تُشرفك، ومواقف تُرضي ربك، وضمير لا يخذلك حين يسألك أطفالك: “ماذا فعلت يوم كان التغيير ممكنًا؟”… ولكم مني كلّ الحبّ والتحية والمودة والسلام.
* نكون غدًا مع سلسلة جديدة بمشيئة الله تعالى:
* اللهم احقن دماء المسلمين واجعلهم أذلة على أنفسهم أعزة على الكافرين.
* مقالة رقم: (1953)
* 09. ذو القِعدة. 1446 هـ
* ألأربعاء. 07.05.2025 م
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)