مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية جواهر بنت السلطان من الفولكلور السوري سبحان الله مغيّر الأحوال (حلقة 3 والأخيرة )

بقلم طارق السّامرائي

أمّا السّلطان أبو جواهر ،فأحاط به المتملّقون وأوّلهم بنتيه الكبرى والوسطى  ،وصار يغدق على كلّ من يقبّل يديه ،ويمدحه، وهو لا يبالي مادام ذلك يرضي غروره .وتواصل الحال، حتى أتى إليه الخازن ،وطلب منه أن يتوقّف عن العطاء ،ويتقشف في معيشته ، ولمّا علم الناس بنقصان ماله، بدأ يقل عدد الوافدين عليه واختفى الشّعراء ، وحتى بنتيه الكبرى والوسطى لم يعد يراهما ،فشعر بالحزن، فلقد تعوّد على إزدحام النّاس أمام بابه ،وعلى عبارات التّبجيل ،والتّمجيد ،في ذلك الوقت تذكر إبنته جواهر ،وقال في نفسه لقد ظلمتها ،وماذا أفادني شكر الناس وتملقهم ،فما يفعلونه إلا عن نفاق للحصول على عطائي ،وصدق القائل يزول حب الناس لك بزوال سببه ،ثم أمر بعربته وذهب إلى الحمّام ،يبحث عن غرفة الوقّاد ودار فلم يجدها فلقد كان مكانها دار كبيرة تعلوها النّقوش والزّخارف .
ولمّا سأل أحد المارّة عن محمّد الوقّاد ،فأجابه: لقد أتى صاحب الحمّام بأجير آخر، أما محمّد، فابحث عنه في سوق المدينة !!! فله دكاّن هناك، فقال السّلطان في نفسه: لا شكّ أن إبنته إنتقلت مع زوجها إلى مكان آخر ،وحتى لو وجدها، فربما لا تريد رؤيته بعد ما فعلته بها، وبينما هو واقف يفكّر خرج من الدار صبيان كالقمر ،وبدآ يلعبان في الزقاق ويركضان ،وهو ينظر إليهما ويتعجب من ملاحتهما ،فجأة إصطدم أحدهما بالسّلطان الذي كان واقفا فنهره الحارس ،وقال له :هيا إعتذر من مولاك أيها الصّبي !!! فردّ عليه ،مولاي هو الله ،وكلنا عبيده ،فغضب الحارس من كلام الصّبي ،وأمسك به من أذنه، لكن السّلطان أمر بتركه ،ثمّ إقترب منه الصّبي الآخر ،وقال له :هل يريد العمّ أن يرتاح ويأكل ؟ فانبسط السّلطان، ولم يغضب منه، ورد عليه :وهل تطعم أمّك عابر السّبيل ؟أجابه الصبيّ :كلّ يوم يأتي الفقراء والأيتام للأكل ،ولنا غرفة للضّيوف ،زاد تعجّب السلطان فكيف تسمح صاحبة هذه الدار العظيمة بإدخال هؤلاء المتشرّدين لدارها ،واشتدّ فضوله لرؤيتها ،فلم ير أحدا من الأغنياء يفعل مثلها .
فقال للصّبيين :أخبرا أمّكما أنّ غريبا بالباب يريد أن يأكل، ويرتاح ،فجريا إلى الدّاخل ،وبعد قليل أطلاّ عليه، وقاداه إلى غرفة أنيقة مفروشة بالسّجاد الفارسي وفي وسطها مائدة كبيرة من خشب الصندل وحولها الوسائد والطّنافس .ثم جلس السّلطان، وأحسّ بالرّاحة فكل ما حوله كان مرتبا بعناية وذوق كبير،وقال في نفسه: كأن صاحبة الدار تعرف قصري ،فهذا الأثاث يشبه الذي في قاعة الأكل ،وحتى لون السّجاد نفسه ،وقطعت عليه حبل أفكاره جارية جميلة تحمل إبريق ماء وطستا من الفضّة، فغسل يديه ،ونشّفهما ،ثمّ أتى عبد بصينيّة فيها ثريد ولحم وفاكهة ،فأكل حتى شبع ،ثم دخل الصّبيان، وجلسا قربه ،فقال لهما: ناديا أمّكما لكي أشكرها !!! فردّا عليه: إنّما الشّكر لله ،وهو من يرزقنا ،فقال السّلطان :هذا غريب فهذه المرّة الثّانية التي يسيئ فيها الصبيّان الأدب في حضرته ،بالضّبط مثلما كانت تفعل إبنته ،ثمّ خطر له شيئ عجيب ،وماذا لو كانت الدّار لجواهر إبنته ؟ فمنذ دخوله أحسّ أنّ كل شيئ مألوف لديه الزّينة، والأثاث ،وحتّى كلام هاذين الولدين الشّقيين ،لكن تساءل كيف يمكن ذلك ؟ فلقد خرجت ،وليس معها شيئ !!! فمن جاءها كلّ ذلك الخير ؟
وبينما هو يكلّم نفسه دخلت جواهر ،وتعجّبت لرؤية أبيها في دارها ،فجرت إليه وقبّلته .أمّا هو فعانقها وبكى بمرارة ،واعتذر على قسوته معها ،ثمّ قال لها :لم أفهم قولك حول شكر الله إلا بعد أن رأيت ما حصل بنفسي، فلقد أغناك على شكرك ،أمّا أنا فأفقرني لأنّي كنت أريد الشّكر لنفسي، وليس لله ،وهو الكريم الرّزاق !!! تعالى معي للقصر ،لكي تراك أمّك، وتفرح بصغارك ،فهي أيضا أخطأت  بتركك لوحدك ،كلنا أخطئنا في حقّك ،أنت إبنتي التي سأجدك في شيخوختي !!! أما أختيك ،فلم تعودا تأتيان لرؤيتي بعد أن قلّ مالي ،قالت جواهر :هل يمكن أن يأتي زوجي معي للقصر ؟ أجابها:هيا إركبي ،وسنذهب إليه ،وحين وصل إلى السّوق، انتظر أن يرى دكانا صغيرا، لكنه إستغرب لمّا وجد محمّد الوقّاد جالسا أمام ثلاثة دكاكين كبيرة ،وقربها العمّال يشحنون عشرين عربة بالحطب ،وكلّها ملكه ،فقال: سبحان الله مغيّر الأحوال، اللهم عفوك ،إني أستغفرك ،وأتوب إليك ،وما الشّكر إلا لك والحمد إلا لك ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق