مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية جواهر بنت السلطان من الفولكلور السوري أربعة جنيّات وأمهنّ الملكة (حلقة 2 )

طارق السامرائي

ثم عاد بها إلى الغرفة، لكي ينام الرّضيع، ولم يجد إلا صندوقا فارغا ليجعله فراشه، لكنّ جواهر كعادتها لم تتذمر، وغطت ولدها الذي نام ملئ جفونه ،وبقيت تفكر هل تعلم أباها وإخوتها ،ثم قرّرت أن لا تفعل لكي لا ترى الشماتة على وجوهم ،ويجدون الفرصة لتأنيبها على حمقها ،وحتى أمّها لم تجئ إليها ولو مرة واحدة ،فهي لا تطيق أن تدخل إلى هذه الغرفة التي كانت مخزنا للحطب والفحم .ومرت عليها الشهور والأيام، وهي تعتنى بوليدها، وترعى زوجها، حتى أحسّت ذات يوم بالحمل،فأخبرت زوجها، ففرح هذه المرّة، ومضت الأيام حتى حان وقت وضعها، وأدخلها ثانية الحمّام، فولدت فيه، وجاءت النسوة كعادتهنّ، واعتنين بها وبالمولود .
لكن الغرفة صارت الآن ضيّقة ، بعدما أتى الوقاد بصندوق آخر للصّبي الجديد ، ولم تجد جواهر من حلّ إلا تعليق الصّندوقين قرب النّافذة ،لكي تقدر أن تطبخ قدرها. وفي الليل كان يخيّل للفتاة أنّ الصبيّان يضحكان ،ولمّا تنهض ،وتطلّ عليهما تجدهما مستيقظين ،يحرّكان يديهما ،وهما في غاية السّرور ،كأنّ أحدا معهما فتتعجّب لذلك ،ولاحظت أنّهما يكبران بسرعة رغم قلّة حليبها ،وفي أحد الأيام أرادت أن تعرف ماذا يحدث لهما في الليل ،فتظاهرت بالنّوم ،وبقيت ساهرة تنتظر .ولما ثقلت جفونها ،وتملكتها بالرّغبة في النّعاس شعرت بنسيم بارد يهبّ على وجهها ،ولمّا أدارت رأسها ،ونظرت بطرف عينها ناحية النّافذة المفتوحة ،رأت الأربعة نسوة يدخلن، وفي أيديهنّ العسل، والحليب والتمر ،فيطعمن الصّبيين حتى يشبعان ،ثم يلعبن معهما ،وفي الأخير يخرجن من النّافذة مثلما دخلن دون أن يحسّ أحد .
فحمدت الله على رفقه بها ،وبولديها ،. بعد أيّام قال صاحب الحمام لإمرأته إنّه كل يوم يسمع أصواتا قرب فراشه تدعوه ليوسّع غرفة الوقاد ،وإنّه بدأ يخاف ،فقالت له :إفعل ذلك لعل الله يرحمنا ويرزقنا بنيّة تكون قرّة عينك ،فأجابها سأفعل ،فإن تلك الفتاة جواهر تستحقّ كل خير وأنا لا أفهم كيف تصبر لزوج فقير رغم ما تملكه من جمال ورقّة ،وفي الصّباح أتى بالبنائين ،وقال لهم الأرض التي بجوار الحمّام ملكي ،فابنوا فيها دارا وادخلوا تلك الغرفة فيها ،ولم يمرّ شهران ،حتى صار لجواهر دار فيها طابقين ،وأعطت أحد الغرف للصّبيين ،واستغرب صاحب الحمّام حين علم أنّ إمرأته حامل في شهرها الثاني ولما ولدت كانت بنيّة جميلة مثلما كانت تشتهي ،ومن ذلك اليوم ضاعف الرّجل أجرة الوقّاد ،وكلّما إشترى شيئا لداره ،أخذ للوقّاد منه .
وذات يوم كانت جواهر ساهرة مع ولديها ،وإذا بها ترى الأربعة نسوة يدخلن عليها ،ويخبرنها أنّ تحت الحمّام توجد خربة قديمة يسكنها الجنّ ،وأنّ أمّهن ملكتهم ،وكانت تسمع دعواتها وهي حامل بطفلها الأول ، ولمّا حان وقت وضعها أرسلتهن لمساعتدها ،وهنّ من وشوش في أذن صاحب الحمّام ليوسّع تلك الغرفة الحقيرة .ثم أعطتها واحدة منهن صرّة من الذّهب ،وقالت لها في الخربة التي نسكن فيها ذهب كثير و سنعطيك منه قدر ما تريدين ،وتحسنت حال جواهر،وزاد عندها الخير حتى إستغرب جيرانها ،وبعد أن كانت لا تشبع من الطعام صارت تتصدقّ بقصعة من اللحم ،وكلهم بدأوا يتقربون منها ،أمّا زوجها فتوقف عن مهنته المتعبة ، وفتح له دكانا في السوق يبيع الحطب والفحم ،والزيوت وصار له عمال وعربات تجرها البغال وهو الذي يزوّد كلّ حمّامات المدينة .
وأصبح النّاس ينادونه المعلمّ محمّد ،أمّا جواهر فزيّنت دارها ،وجعلت حيطانها من الرّخام والمرمر ،ولا يدخل عندها أحد إلا واندهش لجمالها ،ولم تخبر الأميرة أحدا بحكاية الخربة التي تحت الحمام، ولا حتى زوجها ،وكلّما سألها عن الذّهب ،تقول له أنه رزق الصّبيين ،فيرفع يديه ،ويشكر الله على نعمته ..

يتبع الحلقة 4 والأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق