مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية هاتف منتصف الليل من قصص العبرة والموعظة خصومة مع ناهد (حلقة 3 )

أحد الأيّام كنت جالسا في مكتبي وفوجئت بالمستثمر يطلب مقابلتي ،وقال لي :أنّه قرأ مقترحاتي التي قدّمتها للبلدية بخصوص ترميم العمارة ،وهو موافق ،وطلب منّي القيام بكلّ ما أراه صالحا لتصبح أنيقة بما في ذلك وضع مصعد .ولم تمرّ سوى أربعة أشهر حتى صارت من أجمل عمارات بيروت، وأنفق عليها ذلك الرّجل مالا كثيرا ،وأراد كرائها عيادات ومكاتب شركات ،لكن كلّ من يأتي ،ويسمع ما حدث يوم أرادوا هدمها ،يخاف ،ويتراجع عن الكراء ،وجائني المالك مرّة أخرى ،وطلب منّي إيجاد حلّ للمشكلة ،فقلت له :أرجع الناس الذين كانوا يسكنون فيها ،وإيجار صغير خير من لا شيئ !!! ثار الرّجل، وقال: كل هذا اللتعب ،والملايين التي ضاعت دون جدوى ،ثم فجأة سكت ،وقال :سأرفع الإيجار قليلا ،هذا كّل ما يمكنني فعله !!! قلت له نعم القرار يا أستاذ،وأنا متأكّد أنك لن تندم ،ولمّا سألت عن السّكان ،سمعت أنّ البلدية وضعتهم في مستودع تابع لها في انتظار إيجاد شقق مناسبة لحالتهم المادّية ،ومنذ أربعة شهور ،وهم يعانون من البرد ،وسوء الأوضاع الصّحية ،ولكن ما باليد حيلة فالعين بصيرة ،واليد قصيرة ،ولما سمعوا أنهم سيرجعون لعمارتهم هللوا وكبروا ،وأراد شيخ أن يقبّل يديّ، فقلت له :أستغفر الله ،فرّبك رؤوف رحيم. ،ولم تمض سوى أيّام قليلة حتى رجعوا إلى شققهم الجديدة ،وهم لا يصدّقون ما يرونه من فخامة لم يحلموا بها حتى في المنام .
وكنت دائما أتخاصم مع ناهد حول تلك المرأة نوال، واتّهمتني أني على علاقة بها ،وحكاية الولد المريض مسرحية لآتي بها إلى الفيلا ،وقلت له: إتقي الله يا امرأة ،ولا تجمعي الذّنوب ،وتفقدين أجرك ، ذات صباح جئت لناهد وهي تعد الإفطار، وقلت لها خلاص سترحل نوال على شقتها ،هل إسترحت الآن ؟ قالت : وما يمنعك أن تتّصل بها في غيابي، أو حتى تذهب إليها ،فمعها ولد جميل المنظر ،أليس هذا ما تبحث عنه ؟ولم أقدر على إعطائك إياه !!! لقد كنت مغفّلة في الذّهاب معك تلك الليلة ،وهنا لم أعد أطيق السّكوت فصرخت في وجهها :قولي خيرا أو أصمتي ،هل هذا كلام يصدر من طبيبة مثقّفة وبنت أكابر ؟ ردت البيت بيتي ،فاخرج إن لم يعجبك كلامي ،وليكن في علمك أنّي صاحبة الفضل في المكانة التي وصلتها !!! فقلت :هكذا إذا ،ثم جمعت شنطة ملابسي، وأخذت دفاتري ،وقلت لها حسنا ،سنتقابل في المحكمة ،ثمّ استأجرت غرفة في فندق صغير ،وأقسمت أن لا أعود لناهد فهي صارت لا تطاق ، ولا تخجل من نفسها ،وممّن تغير؟ من امرأة ريفية فقيرة أتينا بها لوجه الله !!!
لمّا تمدّدت على فراشي خطر لي أن أسأل على نوال ،وكيف وجدت شقتّها ،ولما ردت كانت تتكلم وتبكي من الفرحة ،ولا تتردّد لحظة في الثناء عنّي أنا وناهد رغم قسوتها عليها ،أحسست أنّ صوتها جميل على غير العادة ،لم أكن لدي ما أفعله في تلك الليلة ،ووجدت أنّ الكلام معها ممتع جدّا ،ثم سألتها عن رفعت، فأجابتني أنّه بأحسن حال بعد أن صار يأخذ الدّواء ،ثم أخبرتني عن الليلة التي مات فيها زوجها وقالت أنه أمضى يومه رافعا يديه للسّماء يدعو الله أن يحفظني أنا والولد ويبكي بحرقة فليس لديه ما يعطيه لنا وفي الليل استيقظت على صوت يتكلم واعتقدت أنه يطلب منها شيئا لكنها رأته ينظر أمامه ،كأنّ هناك أحدا واقفا جنب الفراش ،وبعد قليل إلتفت إليّ والبشر يعلو محيّاه ،وقال: لقد استجاب الله لدعائي، ولن تنالا إلا خيرا، ثم أغمض عينيه ،ومات ،وكلّ من شاهد وجهه تعجّب ،فكأنّه نائم ولم يتغيّر لونه، ولا هيئته .فقلت: سبحان الله، فلقد صدق وعده، وأنت في بيتك لم يقدر أحد على إخراجك منه رغم قوتهم، وعلاقاتهم مع الحكومة ،وأرسلني الله لك وقت الضّيق ،فمن كان يتصوّر أنّ الرّقم العشوائي الذي إتصلت به ،هو بصيرة من الله ؟وبعد أن قضّينا وقتا طويلا في الكلام، إنتبهت نوال فجأة ،وقالت لي بصوت خافت : هل أنت بمفردك يا باشمهندس محمود ؟

يتبع الحلقة 4 والأخيرة

بقلمي نديم العامري/ حكايات زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق