نشاطات
حكاية هاتف منتصف الليل من قصص العبرة والموعظة الوعد الصّادق (حلقة 4 والأخيرة)
حكيت لنوال عن خناقتي مع ناهد ،فردّت: إلعن الشّيطان يا رجل ،وارجع إلى بيتك !!! فأجبتها :لن أقبل أبدا إهانتها ،وهذه المرّة تجاوزت الحدود . بقيت في الفندق خمسة أيام دون أن تتّصل بي ناهد أو تعتذر عن سخفها ،وكنت أكلّم نوال كلّ ليلة لمّا أعود من الشّغل، وتوطدّت العلاقة بيننا بسرعة ، وأدمنت صوتها الحنون، كانت امرأة بسيطة ،وعشقت فيها عفويتها ،لم أكن مجبرا على أن أنتقي كلماتي كما أفعل مع ناهد ،وهذا جعلني أرتاح كثيرا معها ووجدت روحي التّائهة بين أروقة المجتمع الرّاقي. ولمّا زاد شوقي إليها ،طلبت أن آتي لزيارتها في شقتها ،وحملت في يدي باقة ورود لها ،وهدية لإبنها الصّغير رفعت .
بمجرّد أن دخلت عندها جاء الولد يجري ،وقبّلني، وقال لي أهلا بابا، ثم إعتذر وقال :آه أقصد عمّو، لكني وقفت في مكاني مندهشا ، لمّا سمعته يناديني بذلك الإسم، فلقد تجاوزت الأربعين، ولم أكن أتصوّر أن يناديني أحد : بابا !!! فضممته لصدري بلهفة ،وقلت له :سيكون لك أب حبيبي ،كانت نوال تنظر، وقد نزلت الدّموع من عينيها، لكنها تمالكت نفسها و،قالت لي العشاء جاهز يا باشمهندس ،أجبتها لا داعي لذلك ناديني محمود ، وبعد أيّام أمضيتها في المطاعم أحسست بدفئ البيت ،ولما تعشينا، قالت لي أنّها تبحث عن شغل فقلت لها سأتوسط لك عند أحد من معارفي في مطار بيروت ،ومن الغد بدأت العمل بائعة في السّوق الحرّة، بعد فترة ذهبت لأراها ،ووجدتها في محلّ لبيع العطورالفرنسيّة، وكانت في أتم الأناقة والزّينة لدرجة أني لم أعرفها ،فلقد كانت حقا فاتنة، واستغربت كيف تحوّلت تلك الريفية إلى سيّدة مجتمع راقي ،فحسمت أمري وقلت لها إسمعي يا نوال أريد أن أتزوجك !!! فظهرت على وجهها حمرة الخجل، ولمّا عدت إلى المكتب كنت في قمة السعادة ،أما ناهد فمضى عليها شهر كامل لم تتصل ، فقلت :روحي في ستين داهية يا إبنة الأكابر، أتركي أهلك الآن ينفعونك !!! وفي الغد كلمت الأستاذ شفيق محامي الشركة ليقوم بإجراءات الطلاق .
لكن في المساء لما كنت أتعشى في مطعم صغير بجانب الفندق رنّ الجرس ،وإذا بها ناهد تطلب منّي الرجوع للبيت ،وأنّها آسفة على ما حدث ، فقلت لها :لا تتعبي حالك، أنت طالق … طالق بالثّلاثة ، ولا تحاولي الإتّصال بي بعد الآن ،وإلاّ أسمعتك ما تكرهين!!! منذ زمان وأنا أحلم أن أقول لها كلاما قاسيا ،فهي سيّئة الطباع ،وأفسدها أبواها بكثرة الدّلال، وقد احتملت كلّ ذلك لمركز عائلتها المحترم ،والآن لم يعد يهمّني كل ذلك ما يعنيني هو أن أعيش بقية عمري مع امرأة أحبها ،ويكون لي أبناء.مرّت الأيام وتزوجت نوال وانتقلت للعيش معها في شقتها ،ولمّا قمت بالإصلاحات في العمارة حرصت أن أوسّعها ،وأضفت لها غرفة، فصارت صالون وغرفتين ،وكأنّي أعرف أني سآتي للعيش هنا ،أمّا ناهد فجنّ جنونها لمّا سمعت بزواجي من غريمتها ،وحاولت إستغلال نفوذ عائتها لتحطيمي، لكنّها فشلت ،ووفي الأخير أصيبت بانهيار عصبي ،ولم يفهم أحد كيف نجوت منها، فأخوالها كانوا في الدّاخلية وإدارة الضّرائب لكني إنتصرت عليهم جميعا ،وأيقنت أنّ الله يحميني ما دمت مع نوال ورفعت ،ولن يقدروا عليّ مهما فعلوا .وتذكّرت العمارة التي حماها الله حين حاولت البلدية هدمها .
في المقبرة كان زوج نوال ممدّدا في قبره ،فجاءه ملاك وجهه كالبدر يلبس عمامة زرقاء ،وقال له لقد تزوجت نوال من مهندس يحبّها، وسكن معها في شقتها الأنيقة ،وهي سعيدة ،ولا ينقصها شيئ .سأله : وإبني رفعت ؟ أجابه : لقد شفاه الله من مرضه وهو في أحسن حال ،ومتفوّق في المدرسة ،كما أنه يحبّ ركوب الخيل، وأبوه يأخذه للنّادي كلّ أسبوع رفع الرجل يديه إلى السّماء، وقال: وعد الله حقّ، وسبحانك ربّي الكريم ،الرزاق، المهيمن ،لا إله إلا أنت ،وعليك توكّلت ..
…
بقلمي نديم العامري
حكايات زمان