مقالات
تأثير الانحراف الاجتماعي على تشكيل شخصية المجتمع (9)
بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة
* تأثير الانحراف الاجتماعي على تأخير وعد الله بالتمكين (2)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
توقفنا في مقالة الأمس عند أهمية العبادة وتطبيق المنهج الذي أدى إلى تمكين الأمة في الأرض، وقلنا لولا هذا الإحساس العميق لديها بأنها في ذلك كله تقوم بإطاعة ربّها ونيل رضاه، باعتبار أن جميع ما تقوم به هو عبادة خالصة لله الذي خَلق الإنسان من أجلها وتطبيقًا لما ذكره عزّ وجل في كتابه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)، فإن مارست الأمة في معاملاتها وراعت فيها النصوص فهي في عبادة، وإن كان في السلوك فهي في عبادة، وإن كان في المعاملات الاقتصادية فهي في عبادة، وإن كان على المستوى التربوي فهي في عبادة، وإن كان على المستوى الاجتماعي فهي في عبادة، وهكذا في جميع شؤونها، وعندما تخلت وتركت منهج ربها في جميع شؤونها ومنها الحاكمية لله فلا يُستغرب عندها كيف هوت من عليائها لتصبح في هذا الحضيض الذي نعيشه اليوم, وكيف هبطت من مقام الريادة والسيادة وقيادة البشرية كلها لتصبح بعد ذلك كالغثاء الذي تتداعى عليه الأمم تنهشه من كل جانب كما تنهش الذئاب فريستها.
– لقد كان الجيل الأول لهذه الأمة يفهم الحياة كلها على أنها عبادة تشمل الصلاة والنسك، وتشمل العمل كله، وتشمل حتى لحظة الترويح عن النفس كذلك، باعتبار أنه لا شيء في حياة الإنسان كلها خارجة من دائرة العبادة، وإنما هي ساعة بعد ساعة في أنواع مختلفة من العبادة، وإن اختلفت أنواعها ومجالاتها.
– ولا بد من الإشارة أيضًا إلى نقطة مهمة ومركزية أيضًا في أسباب الضعف والهوان الحاصل لهذه الأمة في هذا الزمان وهو: إهمالهم لأمر التوحيد الخالص ووقوع الشرك وضعف إنكاره ومواجهته، بل قد يصل الأمر إلى محاربة من ينكر الشرك في بعض البلاد واعتباره من أعداء الحريّة.
– الفهم الخاطئ للموالاة
لقد أمر الله تعالى أن يتولى المؤمنون بعضهم بعضًا، ونهاهم عن مولاة المشركين وأخبرهم أن تلك الروابط الفاسدة سوف تنقلب إلى عداوة وبغضاء عندما يقفون بين يديه تعالى، ويتبرأ كل طرف منهما من الآخر {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} (العنكبوت: 25)..وللحديث بقيّة بمشيئة الله تعالى في مقالة الغد، فكونوا على الموعد بارك الله فيكم.
– مقالة رقم: (1588)
21. شوال. 1445 هـ
صباحكم طيب، ونهاركم سعيد
باحترام: د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)