تتربع الكوميديا السوداوية المُبهجة على رأسِ اصدق الادوات التعبيريّة في محاكاةِ همومنا ومآزقنا في العالم العربي الممزق روحياً وسياسياً، والمُلاحظ ان غالبية البرامج الكوميدية الدرامية التي عرضت مؤخراً على القنوات التلفزيونية العراقية أو على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت تعبيراً فنياً رافضاً لواقعنا المزري ومحاولة جادة لعرض القضايا السياسية والاجتماعية وشرحها الى الجمهور بطريقة ساخرة وهزلية، ولكن السؤال المؤلم هل يمكن اعتبار اداوت الابتذال الفني والخروج عن المعايير الأخلاقية لدرجة اختراق بيوتنا بشتى السلوكيات والالفاظ البذيئة لفرضِ كوميديا هابطة، هنا لابد لنا ان نسأل أين الرقابة المختصة بوضعِ الحدود الرصينة مابين الكوميديا والإسفاف في التعامل مع الجمهور واحترامِ التقاليد والأخلاق والأعراف الاجتماعية، لماذا انسحب صُناع الكوميديا المهذبة التي تعتمد الطرفة والنكتة والنقد والسخرية دون تجريح أو تجاوز على الذائقة العامة، وشتان مابين العمل المهني الذي يجعل الانسان جوهراً له وبين من يضحك على الانسان وينتقص من قيمه الجمالية الراقية والأخلاقية المهذبة، لماذا غابت ثيمة الكوميديا الهادفة الراقية التي هي بالحقيقة فنا وسلوكاً لا متجارة رخيصة تسيء للذوق العام وتشترك بإنحدار الذوق الفني الذي لاينم عن الثقافة والأخلاق العامة.
ولو عدنّا الى جذور الكوميديا اليونانية المُعتقة لوجدنا أن هدفها كان معالجة الواقع بطريقة ساخرة وتنسجم مع رؤية فرويد للنكتة اذ نظر الإغريق اليها بوصفها وسيلة للتنفيس لانها تقدم الواقع بصورة جميلة ومضحكة من خلال الفعل الذي تحمله، خصوصاً في كتابة النكتة وعلاقتها باللاوعيّ باعتبارها نافذة أو وسيلة لتفريغ للشحنات الانفعالية وضغوطات الحياة المكبوتة وايضاً تعتبر النكتة والضحك هما وسيلة لتفريغ الطاقة العصبية المكبوتة عند الفرد والتي عبر عنها “فرويد” بأن الضحك والكوميديا يستندان بطبيعتهما الى الألم والمعاناة وهو الأمر الذي يجعل الكوميديا وسيلة تنفيس لتنظيم فوضى الحياة المعاصرة، وأيضا بذات السياق فقد وجدت دراسة أن الكوميديين أكثر الناس حزناً ووجعاً ولديهم قدرة أقل على الشعور بالمتعة الشخصية والاجتماعية ونظرة أكثر قتامة للإنسانية والحياة، اما الكاتب السوري الكبير “محمد الماغوط” فقد اشار الى جوهر الكوميديا المشبعة بالحزن بإعتبار ان الحزن المفرط هو جوهر كل ابداع وتفوق ونبوغ وان الكوميديا الراقية اذا لم يكن منطقها الحزن فسوف تصبح تلفيقاً وتهريجاً لاننا نشعر بتحسن حالتنا النفسية عندما نضحك كثيراً ولكن المفاجأة تكمن عندما نعلم ان الكثير ممن يقدمون لنا الكوميديا يعانون من فرط الحزن والاكتئاب تلك الجدلية التي ترويها احد القصص بأن رجل فرنسي ذهب الى احد الأطباء النفسيين وهو في حالة من الكرب الشديد وشرح له معاناتهِ من حالة مفزعة من التعاسة والاكتئاب وطلب ان يصف له بعض الأقراص أو اي شيء يمكنه ان يساعده في التغلب على هذه الحالة فاجاب الطبيب بغرابة: “انت لاتحتاج الى دواء اذهب وشاهد المهرج الشهير جروك، سيُبهجك ويجعلك تشعر بالتحسن” لكن الصدمة كانت حينما علم هذا الطبيب ان مريضه هو جروك بذاته.