مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية يحيى وماريوس أبناء يوحنّا من زمن الخيال الرّوم يدخلون القرية (الحلقة 4 )
مرّت الأيّام ،وزاد غرام يحيى بمريم ،كان لطيفا معها ،ويقدّم لها الهدايا ،وينشد لها الأشعار الرّقيقة ،فارتاحت إليه ،خصوصا لمّا علمت أنه إبن يوحنا ،وليس هناك في القرية أو من حولها من لا يعرف فضله ،وحتى أمّها بنت الأعيان لم تعارض، لمّا سمعت عن علاقة إبنتها مع يحيى ،ولم يبق سوى إعلام أبيها المشكلة أنه رجل يعشق المال ،ولا يهمه لا العلم ،ولا العبادة ،ولقد جمع ثروته من دباغة الجلود ،وهو يتاجر مع البدو ،واليهود ،والروم ،ويذهب إليهم في ديارهم ،ويتلطف معهم ،ولا يجد حرجا في أكل ذبائحهم والشرب من شرابهم سواء كان خمرا أم نبيذ التمر،ما يعنيه هو الربّح أمّا الدّين فآخر ما يفكرّ فيه ،ولم يكن يحيى يعرف ما هو مقدار المال الذي عليه جمعه ليوافق أبو مريم على تزويجه من إبنته .
هذا ما كان من أمر يحيى ،أمّا ماريوس فلقد إشتهر بشجاعته ،وصار يرافق قوافل التّجار التي تذهب لمختلف مدن الشّام والعراق ،وأحيانا كان يغير عليها قطاع الطرق ،لكن الفتى كان يهزمهم كل مرّة ،وأصبحوا يخافون منه ،أما أبوه ،فنصحه بالإبتعاد عن المغامرة بحياته، والالتحاق بشرطة الخليفة ،لكنه رفض فالسفر صار يعجبه ،ولم يرد أن يتزوّج ،وغضب أبوه منه ،وأغلظ له في القول ،لكنه يرجع،و يستغفر رّبه ،ويدعو ماريوس بالهداية.ذات صباح إستيقظ الشّيخ على صوت صياح وجلبة في الأزقة ،ولمّا خرج ليستطلع ما يجري ،وجد النّاس تحزم أمتعتها إستعدادا للرحيل ،و قيل له أنّ البيزنطيين إستولوا على الحصون التي عند الحدود ،وهم يندفعون في أرضهم لا يوقفهم شيئ ،وربّما تكون مدينة أنطاكية قد سقطت الآن .
صاح يوحنا بفزع ،وضرب كفّا بكفّ، ثم قال: أين جنود الخليفة ؟وماذا فعل الوالي بكلّ المال الذي أخذه منّا ؟ ردّ أحد الشّيوخ :إنه يتآمر مع الروم ،ولا يمكن أن تسقط الحصون دون خيانة، فأنا أعرفها ،وكثيرا ما زرت إبني حين كان يخدم هناك في جيش الخليفة ،قال يوحنا :لا بد أن آخذ معي أوراقي وإلا ضاع عمل كل هذه السّنين !!! سأل ماريوس ولماذا نرحل يا أبي ؟ أليس الرّوم نصارى مثلنا ؟أجاب الشّيخ: إنّهم يختلفون معنا حول يسوع، وهم يرون أنّ له طبيعتين ،أمّا السّريان، فيعتقدون فقط في طبيعته الإلهية ،ومنذ مجمع خلقيدونية عام 451 م انشقّوا عن كنيسة الرّوم ،حكّ ماريوس رأسه ،وقال :هذا يعني أنّهم يعتبروننا مارقين عن الدّين ؟!أجاب الشّيخ: نعم :وهم يعذّبون كلّ من يقع في أيديهم حتى يتوب ،لهذا فالعيش مع المسلمين أهون من الرّوم ،هيا أسرع ،إجمع حاجياتنا في العربة ،لكن أين أخوك؟ إنّي لا أراه !!! أحسبه مع بنت التاجر !!! ويحه هل هذا وقت الغرام ؟
كان يحيى في ذلك الوقت مع مريم، جالسين في طرف القرية حيث تنمو الأشجار الوارفة الظلال ،ولم ينتبها للفوضى التي تدّب في الأزقة ،كانا يتناجيان حين رأى يحيي من بعيد خيل الروم تقترب ناحيتهم ،فصاح هيّا نهرب إنّهم الروم !!! ولو رأوني لقتلوني ،لكن مريم قالت: عليّ أن أعلم أمي وإخوتي ،فلن أتركهم ، ردّ عليها :لم يعد هناك وقت ،لكنها جرت إلى القرية، ولم يجد بدّا من إتّباعها، لما وصلا شاهدا الناس تفرّ في كل مكان ،وقد علت الصّرخات ،لكن الخيل لم تلبث أن دخلت القرية ،فقال ماريوس لمن حوله: يجب أن نقاتل، ليتمكن الناس من الهرب، ثمأخذ عمودا طويلا من الخشب ،وضرب به ثلاثة من الروم، فقلبهم عن جيادهم ،وتشجع الرجال والفتيان فدافعوا عن القرية ، وتمكنت العربات المكتظّة بالنساء والصّبيان من الإبتعاد .
قالت مريم ليحيى: إذهب وقاتل مع أخيك ،فردّ عليها : لا فائدة في ذلك، فسيعود الرّوم بقوّة ،أجابته: يا لك من جبان !!! ثم جرت إلى ماريوس ،وقبّلته ،وقالت له : سيتحدّث النّاس طويلا عن بطولتك ،ثم ذهبت إلى دارهم ،فرأت أباها يملأ العربات حتى صارت ثقيلة ،فقالت له: لا تأخذ سوى الضروري يا أبي!!! لكنّه أجابها :لن أترك مالي للرّوم ،وبعد قليل عاودت الخيل الظهور وكانت هذه المرة أكبر عددا ،فهرب يحيى ،وليس في يديه سوى قربة ماء وجدها على الأرض ،ولمّا إلتفت رأى أخاه يسقط على الأرض جريحا، بعدما قاتل بشجاعة ، ،فبدأ يبكي ،ويندب حظّة ،فكل أحلامه تبخّرت مرة واحدة ،وضاع ما جمعه من مال ،وحتى مريم كرهته لجبنه ،وأحبّت أخيه ماريوس،أين سيذهب الآن دون مال ولا طعام ؟ …
…
يتبع الحلقة 5
بقلم : أنيس بن هالي /. حكايات ايام زمان