نشاطات
حكاية عاشقة الأمير من زمن الخيال وجها لوجه مع الكاهنة رزان ( الحلقة 4 والأخيرة )
بقلم : أنيس بن علي
كان الأمير يسير وهو ينظر لجمال أولئك البنات ،ورشاقتهن،ولم ير في هذا المكان رجلا واحدا ، وسار مع الفتاة حتى وصلا إلى بناء كبير من الحجر ،ولم يكن هناك غيره ،وفكّر الأمير أنّ الكاهنة وأتباعها يسكنون في الكهوف العميقة ،ولهذا فلا يجدهم أحد ،ولمّا دخل ،رأى امرأة جالسة ،وبجانبها جسم نمر مرقّط ،فتعجّب أشدّ العجب فلقد كانت نفسها العجوز التي رآها في الطريق ،لكنّها كانت ترتدي عباءة من الحرير ، وقد إختفت من وجهها التّجاعيد والشّعر الأبيض ،وحين لاحظت دهشته ضحكت ،وقالت: أنا الكاهنة رزان ،ولي سبعة وجوه، لكن هذا وجهي الحقيقي ،فأنت إنسان صادق ،وقلبك صاف مثل براعم الزهور، لذلك تراني كما أنا ،إسمع لقد علمت بحكاية روكسانا ،وسأعطيك التّرياق . لكن عندما ترجع عليك أن تنصح أباك أن لا يقترب من جبلنا ،ولا يلمس ما فيه من وزمرّد ،وطرائد وأشجار .
فمنذ قديم الزّمان تركنا أجدادك نعيش بسلام ،،ونحن نعطيهم مقابل ذلك الأدوية والعقاقير التي نصنعها في معبدنا، لكن أباك كان طمّاعا ،ولم يكفه ما عنده في مملكته الواسعة ،فمدّ يده علينا ،ولم يعرف الشرّ الذي فتحه على نفسه وشعبه ،فبسبب إنقطاع أدويتنا حملت الأمراض كثيرا من النّاس ،ومات كثير من جنده بسهامنا ،ولكنّه لم يتعلّم شيئا ،فانقل إليه رسالتي ،فلا شكّ أنّه قد علم الآن بقوّتنا ،وكان سيموت لولا تلك الجارية !!! إسمع يا أفريدون إنها تحبّك ،فتزوّج منها ،ولا تصغ لأبيك اللئيم ،فلقد جرّ الخراب على مملكته ،والكلّ يكرهه .كان الأمير يصغي إليها ،ثم قال :لكن روكسانا قد تموت قبل أن أصل إليها !!! أجابت رزان : لم نكن نعرف أنّها ستضحي بنفسها من أجل الملك ،فنحن لسنا قتلة، لكنّنا نعرف كيف ندافع عن أنفسنا ،أمّا التّرياق فهو ذلك الصّدفة التي تحملها في رقبتك ،ولقد جئت لاختبارك تلك الليلة ، ورؤية معدنك ،وعرفت أنّك من سلالة الملوك العظام ،ولهذا ربحت علاج فتاتك التي تجشّمت كلّ هذا العناء من أجلها .
إعلم يا أفريدون أنّه تحت الجبل توجد بحيرة يعيش فيها نوعان من الأصداف مع بعضهما واحدة فيها الدّاء والأخرى الدواء ،ولهذا السبب فالسّم لا علاج له إلا بالصّدفة التي فيها الدّواء ،وسأحملك إلى البحيرة، فهناك نهر يجرى تحت الأرض ،ويصبّ فيها ،كلّ ما عليك فعله هو أن تركب زورقا ،وستخرج قرب المدينة في نصف يوم ،وسأصلّي لكي تعيش روكسانا ، قبل أن تذهب أوصيك بحفظ ما علمته من أسرارنا ،والآن أسرع ،فلا وقت لديك !!! ركب الأمير مع البنات وجدّفن بقوة ،وجدف الأمير بعزيمة، فكل لحظة يربحها تبعد الموت عن روكسانا وفي الأخير وصل لمغارة خرج منها ،وهمز الحصان الذي إنطلق يسابق الرّيح ،ثم جرى للفتاة، وقلبه يدقّ من الخوف عليها ،فهل ما زالت حيّة ؟ لمّا دخل غرفتها رأى أن لون البنت تحوّل للزّرقة ،و بدأت الحياة تفارقها ،ففتح الصّدفة التي كانت في القلادة ،وصب محتواها في فم روكسانا ،وكانت أمّها بجانبها تلطم في رأسها ،فربّت على كتفيها، وهمس لها :إبنتك ستعيش يا خالة ،فتعلّقت به وهي تبكي ،وقالت له :أنقذها، وستعيش بقيّة حياتها خادمة لك ،أجابها: بل ستكون زوجة لي ،وأميرة هذه البلاد ،بعد ساعة بدأت الزّرقة تخفّ عن الفتاة ،وصارت أنفاسها أكثر إتتظاما .
وفي آخر اليوم رجعت إليها شقرتها ،وجمالها ،بعد ذلك فتحت عينها ،فرأت الأمير يحملق فيها ،فسألته :هذا أنت يا أفريدون ؟ فقبّلها في جبينها ،وردّ عليها: نعم يا حبيبتي، وأمّك هنا أيضا ،بعد شهر أقيمت الأفراح وتزوّج أفريدون من روكسانا ،وبين الحضور كانت توجد امرأة جميلة، لمّا نظر إليها أفريدون ضحك ،فلقد كانت تحمل قلادة فيها صدفة،وعرف أنّها رزان جاءت لتحضر عرسه ،وقبل أن تنصرف تركت له صندوقا من الزّمرد هدية لروكسانا، أمّا الملك فبعد أن عرف شدة مراس جماعة رازان ،أمر بالإبتعاد عن جبلهم ،وبعد مدّة جاءت إلى القصر سلّة بالأدوية والعقاقير ،واصطف الناس أمام البيمارستان للعلاج ،وظهر الرّضى عن العامّة ،أمّا أفريدون فقد أبقى أمر البحيرة التي رآها في الجبل سرّا كما وعد الكاهنة .
وهكذا تحقّق حلم تلك الفتاة الفقيرة التي كانت مستعدة للتضحية بحياتها من أجل حبّها لأفريدون ،وبعدما كانت صديقاتها يسخرن منها ،صرن يغرن منها ،ويقلن: ليت لنا سعد روكسانا ،بوعد عصور طويلة لا تزال البنات الفقيرات تردّدن هذه العبارة ،كل مرة يرين فيها موكب الملك يعبر وسط المدينة ..
…
إنتهت بقلم أنيس بن علي