مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية راما وسيتا من الثراث الهندي جنّية الغابة تغرم بالأمير ( الحلقة 2)

لم يكن أمام راما إلا الرحيل ،فمن الذى يقدر على تعريض الاب لمثل ذلك الخزى والعار ؟ فوافق أن يعيش حياة الزهد فى الغابات، وأصر أن يذهب إلى معتزله وحيدا، لكن “سيتا” تصر على الذهاب معه ، فما من زوجة ولم تتردد سيتا للحظة أن ترافقه فما من زوجة مخلصة تترك زوجها فى محنته وكلامها في هذا الموقف تكاد تحفظه عن ظهر قلب كل عروس هندية منذ يومها، إذ قالت:العربة والخيل المطهمة والقصر المذهّب، كلها عبث في حياة المرأة فالزوجة الحبيبة المحبة تؤثر على كل هذا ظلّ زوجها… إن سيتا ستهيم في الغابة ، فذلك عندها أسعدُ مقاماً من قصور أبيها
إنها لن تفكر لحظة في بيتها أو في أهلها، ما دامت ناعمة في حب زوجها…وستجمع الثمار من الغابة اليانعة العبقة فطعام يذوقه راما هو أحب طعام عند سيتا. لم تكن سيتا وحدها من أصرت على مرافقته اخوه لاكشمن أيضا ويقول: ستسلك طريقك المظلم وحيداً مع سيتا الوديعة ، هلا أذنت لأخيك الوفي “لاكشمان” بحمايتها ليلاً ونهاراً ، هلا أذنت للاكشمن بقوسه ورمحه أن يجوب الغابات جميعاً فيسقط بفأسه أشجارها ، ويبني لك الدار بيديه؟.
أتى يوم الرحيل فخرج راما وسيتا ولاكشمن ليلا متسللين إلى الغابة ولكن كل شعب كوسلا كان يتبعهم فى طريقهم حزنا عليهم حتى أطراف الغابات فودعوهم ليبدأوا رحلتهم فى المنفى. خرجوا تاركين خلفهم حياة الرفاهة والنفائس والخدم، تركوا ثيابهم الفاخرة وارتضوا أسمالا ونسيجا بسيطا، تركوا طعاما شهيا وارتضوا طعاما من ثمار الغابة ومما تصطاده أيديهم وسيوفهم. وطالما التفت إلى راما حبيبته في فرحة تزداد على مر الأيام وكانت فرحة سيتا بالغابة غامرة فكانت تقضي يومها فى التجول فى الغابة مع راما وتسأل ما إسم هذه الشجرة وهذا الزاحف وتلك الزهرة وتلك الثمرة مما لم تره من قبل.
مرت أيامهم سعيدة رغم بساطة حياتهم والطواويس ترفّ حولهم مرحة، والقردة تقفز على الغصون. كان “راما” يثب في النهر تظلله أشعة الشمس الذهبية وأما سيتا فكانت تسعى إلى النهر في رفق كما تسعى السوسنة إلى الجدول. بنى راما ولاكشمن كوخاً إلى جانب النهر وجمعت سيتا عروق الشجر فصنعوا منه سقفا يحميهم من الأمطار. وصادقوا حيوانات الغابة كما صادقوا كل من فيها من الرهبان والعابرين حتى عفاريت الغابة والأرواح الهائمة أحبتهم وأنِست لقربهم وكما أحب البشر من شعب كوسلا سيتا الطاهرة أحبتها مخلوقات الغابة.ولم تكن حياة سيتا فى الغابة سهلة ولكن حب راما واهتمامه بها جعلت الغابة جنة فى عينى سيتا. فلم تمر لحظة إلا وراما يبث سيتا حبه وتقابل سيتا مشاعره بأروع منها.
مرت أعوام فى سعادة غامرة لكن حدث أن كانت أميرة الجنوب” سورباناخا” النصف بشرية ونصف جنية أخت الملك رافانا ذا القوى الشيطانية ذا الرؤوس التسعة تجوب الغابة، فرأت راما وأغرمت به وحاولت كثيرا إغوائه فتارة تظهر فى صورة طاووس مختال وتارة فى صورة جنية رائعة الجمال لكنه كان دوما يصدها. ولم يبادر أبدا بإيذائها حتى ضاق صدر سورباناخا بحب راما لسيتا وإخلاصه لها فحاولت ايذاء سيتا فأصر راما على عقابها فأعتقلها وقطع أذنيها وأنفها وقيدها إلى جذع شجرة ولكن سورباناخا هربت من قيدها وذهبت تستغيث بأخيها رافانا وتشجعه على الثأر لها وتحدثه عن جمال سيتا ومحاسنها وتزين لها إختطافها وإحضارها إلى قلعته البعيدة فى بلاد لانكا.
فى أحد الأيام وبينما سيتا تمشي فى الغابة رأت غزالا ذهبيا رائعا تنعكس على قوائمه أشعة الشمس فتتلألأ كما قطع الجواهر ويضوى جسده كما الذهب السائل حاولت الإقتراب من الغزال فجفل منها، حاولت لمسه فهرب أمامها نحو اطراف الغابة. لم يكن ذلك الغزال سوى وزير الملك رافانا الذى يتشكل فى أى صورة كانت وقد بعثه لينصب فحا لراما حتى يبعده عن سيتا فيستطيع رافانا أسرها. وكما خطط رافانا فقد حدث إذ عادت سيتا إلى راما وهى حزينة تفكر فى أمر الغزال الذهبي وطلبت منه إحضاره إليها ليسليها فى وحدتها بالغابة فوافق راما واستعد لمطاردة الغزال وترك لاكشمن وأوصاه ألا يترك سيتا. غاب راما لأيام واستبد القلق بسيتا ولاكشمن فاتفقا أن يخرج لاكشمن ليبحث عن راما على ألا تفارق سيتا الكوخ وامتثلت سيتا لطلبه. فى اليوم التالى ارتفع صوت رجل عند الباب ففتحت سيتا ورأت امامها ناسكا عجوزا انهكه العطش. طلب منها الناسك كوبا من الماء وأن تدخله الكوخ ليرتاح قليلا. لم تشك سيتا الطيبة للحظة فى الناسك العجوز فأدخلته الكوخ ففرد الناسك عبائته واختطف سيتا إليه.
عندما فتحت سيتا عيناها لم تجد الكوخ ولا الناسك ولا الغابة. حاولت رفع صوتها منادية راما فأتاها صدى الصوت من القاعة الرخامية البيضاء مرددا اسم راما. وظهر لها الناسك العجوز أمامها قائلا.
-مرحبا بالبديعة سيتا فى قصر رافانا. أنت الآن فى مملكة لانكا لقد عبرتى البحار معى أنا الملك الاله رافانا. ستقيمين هنا مابقي لك من العمر وستكونين زوجة لى فهنيئا لنا.خلع رافانا عنه عباءة الناسك لتتحول هيئته من العجوز إلى رجل ذا رؤوس تسعة فعرفته سيتا التى طالما سمعت عن أخباره وعن شروره وإغارته على الممالك المجاورة ولم تؤثر كلماته بها فهى موقنة بأن راما سينقذها ولم يكن أمامها حل إلا انتظاره فأمضت أيامها ولياليها فى شرفة القصر تطالع القمر وتتدعو الآلهة أن يأتى راما لينقذها من رافانا.
كيف سنقذها وهو لوحده وليس معاه جيش غير اخوه لاكشمن؟ وهل سيقدرون على الرجوع إإلى مملكتهم كوسلا تانىة ؟

يتبع الحلقة 3 والأخيرة

حكايا زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق