مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية جرادة مالحة من الفولكلور المغربي المرأة المشئومة ( الحلقة 2

بعد ثلاثة ايام مع لياليها من السّير بين الآكام والوديان، حلت عقيسة بقرية للصّيادين على حافة بحيرة كبيرة ،وكان المكان عامرا ومليئا بالخيرات ، فأعجبها كثيرا، وقرّرت الاقامة هناك فنصبت خيمتها ،وصارت تصطاد من البحيرة وتأكل ،وكل ما تفعله أنها تضع قفة ، وتمتم بكلمات سحرية ،فتقع فيها الأسماك ،ولما تشتهي اللحم تضع شركا فيمتلأ بالطيور والأرانب مرت ثلاثة ايام و القرية لا يدخل عليها ضيف ،ولا يغرد فيها عصفور ،ولا تطير فراشة ،أما الصّيادون اكتشفوا ان السّمك صار يفسد إذا لم يؤكل في ساعته ،مهما حطوا فيه من ملح او جعلوه قديدا.اجتمع كبار القرية ليعرفوا سبب الآفة التي حلت بهم فلم يحصل ذلك لا في عهد آبائهم ولا أجدادهم ،.سالهم شيخهم: متى حصل ذلك ؟ نظر الصيادون إلى بعضهم فلا يعلم أحد السبب لكن رجلا قال لقد كان كل شيئ على ما يرام حتى جاءت للقبيلة امرأة ونصبت خيمتها امام بيتي وهي دائما عابسة لا تكلم أحدا ولا أحد يكلمها ،أو يحل عليها ضيفا !!! أمسك الشّيخ بلحيته ،وقال :هذه المرأة منحوسة، والله لن تبيت هنا فأعطوها مؤونة الطريق، وهددوها بالويل والثبور إن لم ترحل عنهم ،ولن تزيد دقيقة واحدةفي أرضهم .
قوّضت عقيسة خيمتها ،وأركبت الصبيين على حمارها ثم رحلت ،وهي تسب وتلعن، فمرّة أخرى تجدنفسها هائمة على وجهها، لا تدري أين تذهب ،ثمّ أخذت في المشي ،وسارت أياما طويلة حتى وصلت إلى قبيلة من الحطابين وكانوا يكسبون رزقهم من قطع الجذوع الجافّة، وهم يحبون الغابة ويحافظون عليها ،وأعجبت عقيسة بالأشجار الوارفة، والخضرة اليانعة، فنصبت خيمتها دون أن تستأذن أحدا ،وكعادتها إستعملت السحر لتأكل دون أن تحرك إصبعا واحدا .و كان سكاّن هذه القبيلة يخرجون كل صباح للغابة ليحتطبوا ما يحتاجون إليه ،ويجمعوا الحشائش للدّواب، وكان الخير يعمّ القبيلة ،والنّاس تحمد الله على خيره . ولم تمض سوى ثلاثة أيام حتى لاحظ سكان القبيلة ان الحشائش بدأت تصفرّ ،وأوراق الشّجر تذبل ،وتسقط رغم أنهم في الربيع ،وما لبث أن قل عندهم الحليب الذي كانوا يبيعونه في القرية المجاورة ،ويصنعون منه الجبن لصبيانهم ،فتذمّر القوم، وذهبوا لشيخ القبيلة ليتباحتوا معه، ويعرفوا سبب هذا البلاء الذي حل بهم. فسألهم الشيخ :منذ متى لاحظتم ما يحصل بالقبيلة ؟ رد عليه رجل :لقد كنا نجلب الحطب والأعشاب الخضراء ، وتاكل منه الغنم والماعز والبقر. لكن منذ ثلاثة أيام بدأ كل شيئ يتغير، فالعشب ييبس والأشجار جفّت ،ولو تواصل الأمر هكذا فستختفي الغابة وتهرب الطيور والحيوانات الصغيرة ،ولن نجد ما سنأكله .لا نحن ولا ماشيتنا ،الأمر في غاية السّوء ولا يجب السكوت عنه .
ظهر الجزع على الشّيخ و،طلب منهم إخباره إن رأوا شيئا غير معتاد وقف رجل ، وقال : كل شيئ بدأ مع قدوم امرأة معها صبيان كالقمر وضربت خيمتها امام بابي ،وما كنت لأهتم بها لولا قبحها ،وانغلاقها عن نفسها وكلما رأيتها صار نهاري اسود.لذلك أتجنبها وأختفي لما تخرج وقف شيخ القبيلة وقال : هذه وجه النحس لن تبيت الليلة هنا , جاءت ومعها الشؤم ونحن اكتوينا بنارها ،سار إليها رجال القبيلة ،وقلعوا خيمتها، ورموا أمتعتها على وجهها ،ثم اعطوها مؤونة الطريق ،وطردوها وسط الغابة ،فقالت: ويحي ماذا فعلت لأستحق هذه المعاملة القاسة ؟ وكل ما أضع قدماي في مكان ويطردني أهله، لا بدّ أن أجد مكانا أعيش فيه ،ولن يكون سوى مدينة ، لكي لا يفطن لي الناس لو أصابهم النحس ،ثمّ ما دخلي أنا ،ولماذا يحاسبون امرأة فقيرة لا حولها ،لقد قررّت أن أعتزل الناس، لكنهم لا يريدون تركي وشأني، الويل لهم فهم لا يعرفون غضبي ..

يتبع الحلقة 3

 

حكايا زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق