مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #الحراث_وإبنة_الجار
بسم الله بدأت ،وعلى النّبي صليت ،وبقصّة من قصص جدودنا أتيت ،يحكى في قديم الزّمان عن بائع متجوّل إسمه شعبان يمضي يومه في التّنقل بين الأزقة والقرى لبيع بضاعته ، وكان له أصدقاء من الباعة ،يتعاونون مع بعضهم في الزّرق ،وفي آخر النّهار يجتمعون في سقيفة داره، يشربون الشّاي ويدخّنون الشّيشة ،ويقصّ كلّ واحد منهم أخبار يومه ،وكان هؤلاء الباعة مشهورين بحسن الخلق ،وصار النّاس يعرفون أوقاتهم ، ويطلبون منهم إحضار كلّ ما يستحقّونه إلى بيوتهم ،أحد الأيّام داروا بين القرى حتى تعبت أقدامهم ،ولم يبيعوا سوى القدر القليل ،فقال شعبان هناك قرية بعيدة ما رأيكم أن نذهب إليها ؟ لعلّ حظّنا يكون أحسن !!!
وفي الطريق كان هناك جبل ،فمشوا في مسارب ضيّقة حتى وصلوا تلك القرية ،وباعوا كلّ بضاعتهم ،ولم يبق عندهم شيئ ،ففرحوا، وعرفوا من الأهالي أّنّ التّجار لا يمرّون بهم كثيرا، وأنّهم مضطرّون لشراء حاجياتهم بأنفسهم . قال شعبان: أرى أن يشترى كلّ واحد منا حمارا فالقفّة التي نحملها على ظهورنا لن تكفي، فهذه القرية ينقصها كلّ شيئ !!! قال واحد منهم :المؤكّد أنّ الطريق الوعر لا يشجّع الباعة عن المجيئ لهنا، أجاب شعبان : وما يعنينا نحن ،المهم أنّنا سنربح ،والآن هيّا بنا نرجع قبل أن يجيئ الليل .لكن الجبل كان كبيرا ، ومشوا بين الصّخور والأشجار،وأحسّوا بأنّ المسافة قد طالت، ولم يخرجوا بعد من الجبل،فقال شعبان: أعتقد أنّنا لقد أضعنا الطريق !!! ردّ الآخرون :هذا واضح ،ويجب أن نعود من حيث أتينا ،لكن داروا في كلّ مكان دون جدوى ، وأحسّوا بالجوع والتّعب ،وبدأ الظلام في النّزول ،فجلسوا على الأرض ليلتقطوا أنفاسهم ،وقالوا لشعبان أنت أشطرنا ،فابحث لنا عن شيئ نأكله ،فربّما تجد أحدا معه كسرة خبز !!!
مشى شعبان وهو يلعن هذا اليوم ،وقال : كأنّ التّعب لم يكفي ،ليزيد علينا الجوع والبرد ،فلا أحد في هذا الجبل ،لكنه لمّا همّ بالرّجوع رأى من بعيد نارا ،ففرح ،وجرى إلى المكان الذي تشتعل منه ،ولمّا وصل إلى هناك شاهد دار عربي ،وقربها بدويّة تطبخ قدرها على الحطب ،وقد فاحت رائحة الطّعام ،فسلم عليها ،وسألها إن كانت تريد إعطاءه صحفة من المرق ،وخبزة أو إثنين وسيدفع لها الثمن ،فنظرت له ،وقالت: أنت ضيف، تفضّل بالجلوس ،وبعد قليل يرجع إخوتي من الحقل ،وتتعشّى معهم !!! أجابها :بارك الله فيك، لكن معي رفاق ينتظرون عودتي!!! لفّت له الطعام في منديل ،وأعطته بطانية ،فأخذهم شعبان ،وقد أعجبه جمال البدوية ،وكرمها ،لكنّه خجل أن يسألها عن إسمها ،وودّ لو يبقى معها قليلا .
وبينما هو يمشي ،خرج له كلب نبح عليه فجرى ،وفجأة تعثّر، وسقط في بئر ليس فيه ماء ،فسمعت البدويّة النّباح ،ولمّا جاءت لترى ما يحصل هناك وجدت شعبان ملقى على ظهره ،في البئر ،وقد أحسّ بألم شديد ،فأدلت له حبلا ليصعد، لكن الفتى كان ثقيلا ،فزلقت قدمها ،وسقطت عليه ،ووجدها شعبان قريبة منه لدرجة أنّه كان يشمّ عطرها ،أمّا هي فانزوت في ركن ،وصاحت حدّ الله بيني وبينك !!! أجابها : أنت في مقام أختى ،وخذي البطانية التحفي بها ،ثمّ قالت له : سيحضر إخوتي، ولو رأونا معا سيكون موقفي صعبا ،ردّ شعبان: لا تخافي لو لزم الأمر سأتزوّجك !!! أخفت البنت رأسها من شدّة الخجل ،فلقد كان الفتى جميل الوجه ،وقويّ البنية ،ثمّ تشجّعت ،وسألته عن حاله وقريته ،فحكى لها عن نفسه، وأعجبها حديثه فنسيت ما هي فيه من ضيق ،وأحسّت بالإطمئنان إليه فقد كان لطيفا يحبّ الفكاهة ،وقالت له أنا إسمي حنان ،فابتسم وقال: وأنا شعبان، فضحكا ،وبدأ الحبّ يتسلّل إلى قلبيهما ،ثمّ أخرج الفتى صحفة الطعام ،وأكلا مع بعضيهما ،وأحسّا بأنّها ألذّ لقمة أكلاها في حياتهما …
سرّ في القرية
هذا ما كان من حال شعبان ،والبنت حنان، أمّا إخوتها السّبعة ،فأشعلوا النّار وطبخوا برّاد شاي ،وكان عندهم حرّاث إسمه عمّ عليّ يجيئون به كل موسم ليحرث لهم الأرض ،وطلبوا منه أن يذهب لأختهم، ويأتيهم بالطعام، ويخبرها أنّهم سيتأخّرون قليلا في الحقل .جاء الحرّاث ،فوجد الدّار فارغة، وبدأ ينادي على حنان بأعلى صوته ،فسمعته من بعيد، وصاحت: أنا هنا يا عمّ علي في البئر الذي قربه الكلب !!! وحين أطلّ، ورآها مع شعبان ، تغيّر وجهه، لكنّها قصّت عليه الحكاية ،وأقسمت أنّها الحقيقة ،ثم طلبت منه أن يسترها أمام إخوتها ،وستدفع له ضعف أجرته .كان علىّ جارهم، ويعرف والديها ،وأنّها بنت عفيفة ،حسنة الأخلاق ،فوعدها بذلك ،ثم ملأت لشعبان الصّحفة ،وإتّفق معها أن يمرّ بعد أسبوع ،لخطبتها ،ويحضر لها الهديّة التي وعدها بها ،ثم إنصرف بعد أن ودّعها ،ولم تغب نظرة الحبّ في عينيه عن العم عليّ ،الذي فرح لحنان لأنّها يتيمة .
كان عند الحراث امرأة لئيمة ،كلّما يرجع إلى الدّار تحاسبه على كلّ مليم يربحه ،فقالت له: هيّا أرني ماذا كسبت اليوم ؟وحين نظرت إلى المال فوق الطاولة سألته لقد ربحت من الإخوة السّبعة ثلاثة أضعاف ما كنت تأخذه، فهل فجأة أصبحوا كرماء معك بعد أن كانوا يستغلونك ؟ أجابها الله :رزاّق كريم ،والآن دعنا من ذلك ،واحضري لي صحن كسكسي ،فإنّي أشم رائحته الفوّاحة ،جلس الرجل يأكل ،ويلحس أصابعه ،لكن المرأة لم تصدقه فهي تعرف بخل الإخوة ،وقالت له ويحك يا علي هل مددت يدك عن مال حرام ،فردّ عليها للقد أجبتك عن سؤالك فدعيني أكمل طعامي ولا تفسدي شهيتي ،في الغد لبست زوجة الحراث سفساريها ،وذهبت لحقل الإخوة ،فوجدتهم يبذرون الحبوب ،فقالت هل زدتم في أجرة العم علي ؟ نظروا إليها باستغراب ،وقالوا : لا ،ولماذا تسألين ؟ أجابت : وما المشكلة في أن أسأل ؟ ولمّا إنصرفت قال الإخوة: يا لها من امرأة وقحة ،كيف يطيقها ذلك الرّجل المسكين ؟
وما إن ا رجعت إلى الدّار حتى أمسكت أذن الحرّاث ،وقالت له :إن لم تخبرني من أين أتيت بالمال لفضحتك !!! أجابها: الله أمرنا بستر الولايا، وأنا سترت وليّة ،فدعيني الآن في حالي!!! زاد شكّ المرأة ،وقالت :أمامك حلّين: سوى أن تخبرني من هذه التي تتحدّث عنها ،وعلاقتك معها ،أو أجمع ثيابي ،وأرجع لدار أبي !!! أحسّ الرّجل أنّه في ورطة ،وبعد أن كانت مشكلة ،صارت إثنين،،و لم يجد بدّا من مصارحتها بقصّة حنان بعد أن أخذ منها وعدا بالحفاظ على سرّها . في الغد جلست المرأة مع جارتها ،فسألتها: لقد سمعت البارحة صياحك فماذا حدث ؟ هل كانت أجرة زوجك أقل من المعتاد ؟ أجابتها: بالعكس إنها أكثر بضعفين، قالت الجارة بدهشة :وكيف ذلك ؟ ردّت امرأة الحرّاث وهي تأخذ رشفة من فنجان القهوة ،لقد وجد زوجي تلك اببنت حنان في البئر مع رجل غريب ،ودفعت له لكي يسكت ،أستري ما ستر الله .
لكن تلك الجارة كلّمت جارتها ،وكلّ واحد منهن تنقل ما سمعته ،وتضيف إليه حتى كبرت الحكاية وسمع بها إخوتها السبعة وكانوا من ذوي البأس والسطوة ،وانقسموا بين مصدّق ومكذب وفي النهاية إتّفقوا على إبعادها عن الحيّ وقتلها ،وإشاعة أنها ذهبت إلى المدينة عند خالتها ،وسمعهم الحراث يتحدّثون ،فأسرع إليها وأمرها بالفرار من حينها ،فإخوتها قد عزموا على قتلها ،وهم في الطّريق إليها ،قالت له: لو شاهدت شعبان ،قل له إنّي هربت إلى الجبل ،فهو آت لخطبتي لكن أفسدت علي فرحتي ،والله لن يسامحك على فعلتك ،فبكى الحرّاث، وقال :إنها تلك المرأة اللعينة ،وسأنتقم منها ..
..
خيمة في الجبل..
خرجت حنان في ذلك الليل البارد ،ولم تحمل معها سوى كسرة شعير،ثم هامت على وجهها في ذلك الجبل ومشت إلى أن أحست بالتعب والجوع ،فجلست تحت شجرة لتستريح وتأكل لكنهاسمعت صوتا يقترب منها ،ولما رفعت رأسها شاهدت ذئبا واقفا ثم بدأ يعوي في ذلك الظلام ،فجرت بكل ما تملك من قوة ،وأصبحت الخطوات خلفها كثيرة ،والعواء مخيفا ،وفجأة تعثرت في غصن وسقطت وقبل أن تغيب عن الوعي سمعت طلقة بارودة ،ثم إقترب منها بدوي ،وسمع إن كانت تتنفس أم لا ،وشعر بالإرتياح فقد كانت حية ،فوضعها على ظهر حماره وسار بها إلى أن وصل لخيمة من وبر الماعز ،فنادى أمّه لتساعده في إدخال الفتاة ،كانت المرأة تطبخ حساءا ،فتركت قدرها على النار ،وفرشت لها حصيرة ثم غطتها ،ومسحت وجهها بماء الورد ،ففتحت حنان عينيها ببطئ ،وقالت :أين أنا ؟ردت عليها المرأة :أنت في أمان يا إبنتي، أنا إسمي حدّة، وذلك الفتى هو إبني محمد ،ولقد وجدك لمّا كان عائدا من الصيد !!!الحمد لله على سلامتك ،ثم مدّت لها صحفة من الحساء السّاخن ، فأكلت قليلا ،وشعرت بالدفئ في جسدها،جديد ،ثم شكرتهما على كرمهما ،و نامت ملئ جفونها .
أمّا محمّد، فبات في مغارة صغيرة يضع فيها عنزاته ،وفي الصباح نهضت حدّة باكرا، مثل عادتها،فأشعلت الحطب ثم عجنت أقراص الشعير ،وجاء محمّد بإناء فيه حليب الماعز، وبالبيض ،فشمّت حنان رائحة الخبز، والتفتت حولها فرأت قطة نائمة بجوارها ،فأخذتها في حضنها، ومشت إلى المرأة وابنها ،وسلمت عليهما فدعوها إلى الطعام ،فغسلت وجهها ويديها في عين صغيرة وسط الصّخور ،وجلست معهم ،ومدّت يديها باستحياء للطعام ،لكن المرأة حلفت عليها أن تأكل حتى تشبع ،فهي مثل إبنتها ،وكانت حنان جائعة فأكلت ،وإنبسطت نفسها ،ثمّ سألها محمّد عمّا كانت تفعله وحيدة في تلك الليلة الباردة ،فقصّت عليهما حكايتها ،ثمّ بدأت تبكي ،وتشهق على حضّها السّيئ ،فخفّف الصّياد من روعها ،وقال: ستبقين معنا، وسأبحث عن شعبان ،فلا تحزني !!! أمّا عن إخوتك فلن يأتي أحد منهم إلى هنا ،فلا يوجد سوانا في هذا المكان البعيد ،ونحن أيضا عانينا من الأقارب الذين يعادوننا بسبب ميراث أبي ،فليس هناك أشدّ سوءا من الأهل ..
مضت الأيّام ،ولم يظهر شعبان في الجل، وبدأت حنان تتعوّد على حياتها الجديدة،وكانت الإمرأة في غاية الكرم معها ،وقالت لها: أنت إبنتي التي لم يرزقني الله بها ،وصارت تشتري لها الملابس ،وكلّ ما تشتهيه ،أمّا محمّد فكان يكسب جيّدا من بيع جبن الماعز، والبيض للقرى القريبة، وأيضاا الأرانب البرّية التي يصطادها . وكثيرا ما كانت حنان تخرج معه للغابة فيجمعان الفطر و الأزهار ،وبدأت تشعر بالحبّ يملأ عليها حياتها ،وقرّرت أن تنسى شعبان ،فمن أدراها أنّه يقول الحقيقة ؟وأنّ وعده بالرّجوع مجرّد كلمات لطمئنتها في الوضع المحرج الذي وجدت نفسها فيه ،وكانت تعرف أنّ محمّد يعشقها ،فنظراته لا تغادر وجهها .
أحد الأيام بينما كانت جالسة تقطع اللحم ،جاءت المرأة ،وجلست أمامها ،ثم قالت لها :ل كما تعلمين، لم يرزقني الله إلا بولد واحد، وأنا أريد أن أفرح به وأرى صغاره ،ولم يغب عنّي أنه مهتمّ بك فما رأيك في الزواج ؟سأصنع لك خيمة جميلة ،وأجهزّك بما كل تحتاجين إليه !!! تفاجأت حنان، فلم يمرّ على وجودها هنا سوى ثلاثة أشهر،صحيح أنّ محمّد فتى لطيف ،لكن الزّواج يبقى قرارا صعبا ،والأكثر من ذلك أنّها ستعيش في خيمة ،وهي التي تربّت في دار كبيرة فيها البئر ،والسقيفة ،والسطح الذي يجفّفون عليه ملابسهم والعولة ،لكن الشيئ الإيجابي هو أنّها في مأمن من إخوتها الذين يسعون لقتلها ،وبعد تفكير طويل :أجابتها :لقد كنت يتيمة فأصبحت لي أمّا ،وغمرتني بعطفك لذلك فإن الرّأي ما ترينه !!!أطلقت حدّة زغرودة طويلة ،وقالت لها :تعالي إلي لكي أضمّك في حضني …
…
لمّا رجع محّمد في الليل أخبرته أمّه بموافقة حنان على الزّواج ،ففرح ،وقال لها: غدا سننزل من الجبل ،فهناك سوق كبير كلّ يوم خميس ونشتري لها الثياب والعطور . لم تنم البنت ليلتها من الفرحة ، فهذه أوّل ،مرة ستخرج فيه من الجبل ،وهي سمعت أنّ هناك قرى عامرة وبساتين ،وسترى كلّ ذلك بعينيها ،وتتفرّج في السّوق الأسبوعيّة ،وما فيها من خيرات كثيرة في الفجر ركبت حدّة الحمار ،أمّا هي فسارت مع محمّد على قدميهما ،وبعد أن ساروا في مسارب ضيّقة وصلوا إلى قرية كبيرة ،ورغم أنّ الوقت لا يزال مبكّرا إلا أنّ الحركة كانت نشطة ،والعربات المليئة بالبضائع تتزاحم في الأزقة ،وهناك باعة جالسين على الأرض وأمامهم أكداس الثّمار والخضار وقد علت أصواتهم ،قال محمّد :إستريحا قليلا تحت هذه الشّجرة ،وسأحضر لكم الفطائر، لكن حنان لم تطق الإنتظار،وقالت لحدّة : سأقوم بجولة صغيرة ،فكل ما هنا رائع وجميل ،أجابت المرأة : حسنا ،لا تبتعدي كثيرا ،ولمّا إلتفتت إليها وجدتها قد ذهبت تجري ،فقالت : ويحك ألا تعرفين الصّبر يا إبنتي !!! مازال أمامنا يوم كامل أمامنا .
وبينما هي تتجوّل، سمعت صوتا يناديها ،فتعجّبت ،فهي لا تعرف أحدا هنا ،ونظرت وسط الناس، وفجأة شهقت حين رأت شعبان واقفا أمامها وهو يبتسم ،لم تعرف الفتاة ماذا تقول فهذا آخر ما كانت تتوقعه،قال الفتى لقد أتيت في الموعد كما إتفقنا ،،وذهبت إلى إخوتك لكنهم طردوني ،وبعد فترة قابلت ذلك الحرّاث وحكى لي عن كل شيئ ، فدرت في الجبل ،وفتّشت عنك في كلّ مكان ،وكنت متأكّدا أنّي سأجدك ،فقد أخبرتني عرافة عجوز بذلك ،هيا قصّي عليّ ماذا حدث لك ، وأين كنت مختفية طوال هذه المدّة ؟إبتلعت حنان ريقها بصعوبة ،وقالت لهّ أنا مخطوبة ،وسأتزوج قريبا ،والآن دعني وشأني !!! فاصفرّ لون شعبان ،وسألها هل هذا قرارك ؟ تردّدت قليلا ثم أجابت: نعم ،في تلك اللحظة رأت محمّد قادما من بعيد، وفي يده قرطاس الفطائر ،فقالت لشعبان: عن إذنك سأذهب الآن !!!
لاحظ شعبان نظراتها ثم سألها هل ذلك الصّياد محمّد هو من إختاره قلبك ؟ إنه فتى جيّد لكن أنصحك أن تعرفي قصّته، ثم مسح دموعه وانصرف همت الفتاة أن تجري وراءه لتسأله ،لكنها قالت :لماذا علي أن أصدّقه ؟ فهو قال ذلك ليفسد زواجي ،لما أتى محمّد قال لها بانفعال :لماذا تتجّولين وحدك ؟ وكيف تركتك أمّي ؟ سيكون لي معها حساب !!! استغربت البنت من ثورته فهي لم تبتعد كثيرا ،ثمّ هي حرّة تفعل ما تشاء . بقيت حنان تقلّب الفطيرة في يدها ،ولم تأكل ،فلم يعجبها تصرّف محمّد الذي ظل يرمقها بنظرات غاضبة، لكن حدة لاطفتها حتى رضيت ،وأكلت فطيرتها ،ثم داروا في السّوق ،واشترت لها كل ما إختارته ،وكان محمّد يفتح كل مرّة صرة ماله، ويدفع الثمن ،فقالت حنان في نفسها :له كل هذا الخير ويسكن مع أمّه في خيمة !!! ترى أي سرّ يحاول إخفاءه ؟
ثمّ ورد في بالها قول شعبان ،وقرّرت أن تتريّث في الزّواج فهي لا تعرف شيئا عن محمّد وهو يغيب أكثر النهار ،ولا يخبرها ماذا يفعل ،ولما وصلوا قالت لها حدة سأبدأ الآن في نسج خيمتك ،وستكون كبيرة ،فشكرتها حنان ،فهذه المرأة تحبّها بصدق ،وتعطف عليها كإبنتها ،ثم فكرت في شيئ غريب، فهل محمّد إبنها الحقيقي أم إستبنته ،فهو لا يشبهها سواء في مظهره أو طباعه ،و ستحتال على المرأة لتعرف منها ذلك ،ثمّ قالت: ما أعجب الأقدار !!! اللّقاء مع شعبان لم يكن صدفة، لقد جعلني أفكّر، وأنظر لما حولي ،وقد لا تكون الحياة في خيمة وسط الجبل هو ما كتبه الله لي
(النصف الاول)
…
…
#الحرّاث وإبنة الجار
يتبع (النصف الاخير)
من قصص حكايا العالم الاخر