مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #أميرة_قلعة_اليمام الجزء الاول
كان يا مكان في سالف العصر والأوان أميرة شديدة الجمال مثل غصن البان تدعى ميساء ،ورغم كثرة الورود في حدائق القصر، وأشجار السّنديان كانت تحب الخروج والذهاب إلى الأسواق والاختلاط بالناس ،وكان أبوها السلطان غير راض عن أفعالها ،وعاتبها في العديد من المرّات ،لكنها لم تستمع إليه ،وذات يوم جاء إلى غرفتها ولم يجدها، وحين سأل عنها الحرّاس، قالوا له: قد غافلتنا، وخرجت ،فإشتد غضبه ،قرّر تعليمها الأدب ،وأمر برميها في قلعة كئيبة تعلو المدينة برفقه مربيتها، ويقال أنّ ملكة إسمها اليمام مدفونة فيها منذ أقدم الأزمان . حزنت الفتاة كثيرا ،وأصبحت تعاني من علّة تجعلها عنيفة، قلق أبوها ،وأحضر لها الأطباء الذين لم يفهموا مرضها ،وحاولوا علاجها، ولكن جميع محاولاتهم بائت بالفشل ،فأضطرّ السّلطان أن يجعل ميساء حبيسة القلعة ،وأوصى أن لا تخرج ابدا منها ،لكي لا تؤذي أحدا ،ومنعوها حتى من الخروج إلى الغابة ،وبمرور الأيام إزدادت حالتها سوءا ، و تورّمت عينيها من كثرة البكاء ، وجرّب الأطباء العقار تلو الآخر ،لكن الأميرة تتظاهر بشربها ،ثم تلقيها من النّافذة ، حتى يئس أبواها من شفائها
مرّت الشّهور وشوق ميساء للخروج الى المدينة يزداد، وفي كلّ صباح كانت تنظر من نافذة غرفتها الى السّوق في الأسفل ،وتسمع صيحات البائعين وكل منهم يعرض بضاعته ،وكان ذلك يسلّيها ،في غياب والديها ،وذات يوم بينما هي واقفة في النّافذة إذ سمعت صوتا جميلا يناديها ،فإلتفتت حولها لكن لم تر أحدا ،ثمّ سمعته مرّة أخرى ،فجرت إلى غرفتها، وأغلقت الباب على نفسها ،وإختفى الصّوت ،ولمّا رجعت في اليوم التالي إلى النّافذة، ناداها من جديد، لكن هذه المرّة لم تهرب ،ونظرت مليّا ،فرأت فتى وراء الأسوار ،وهو يلوّح لها بيديه ،لكنّه كان بعيدا ،ثم أخذ ورقة كتب عليها شيئا ،وعلقها ،وفي الأخير ذهب ناحية السّوق .
إستمرّ الفتى في القدوم كل يوم ،وبدأت تتعوّد علي وجوده ،ثم قالت في نفسها :لا بدّ أن أنزل لأراه فهو يبدو ظريفا ،وفي الغد إنتظرته بلهفة،ولمّا جاء رأت أمامها فتى وسيما في مثل عمرها ،لكن تفطّن له الحرس، وطلبوا منه الإبتعاد ،فانصرف وهو يلتفت وراءه،فدخلت إلى غرفتها ،وأحسّت أنّها متعلّقة بذلك الولد، فبكت على حالها ،ثمّ مسحت دموعها فجأة ،وقالت بإصرار: عليّ أن أجد حلا للخروج ،فلقد مضى دهر وأنا حبيسة هذه الجدران .
وفي احد الأيام قرّر والداها الخروج في رحلة صيد ،وقاما بتوديع ابنتهم الجميلة ،ووعداها بإحضار أرنب أو طائر ملوّن ليكون رفيقا لها ،وتركوها مع مربيتها ،فتسللت البنت وراقبت الحارسين بضعة أيام ،ولاحظت أنّهما يحبّان الخمر ،فذهبت إلى القبو ،وأخرجت جرة من شراب أبيها السّلطان، ثم إقتربت منهما ،وقالت :لقد أوصاني أبي بمكافئتكما على تعبكما،وهذه هديّة مني لكما!!! لما إبتعدت قليلا بدأ الحارسان في الشّرب حتى سكرا، وناما . عند ذلك أخبرت ميساء مربيتها العجوز بما تنوي فعله، فقالت لها :إياك أن تتأخري في العودة ،وإلا عاقبنا أبوك ،هل تفهمين ؟ أنا متأكدة أنك ستصبحين أحسن حالا إن خرجت قليلا ،لكن الأطباء الحمقى لا يفهمون ذلك ،والطائر الحبيس لا يغنّي إلا إذا رفرف بجناحيه في السّماء .
ارتدت ميساء ملابس الخدم ،ورمت النقاب على وجهها ثم فتحت الباب، وقبل أن تخرج ألقت نظرة عن الحارسين، فوجدتهما يغطان في نوم عميق وقد أسندا ظهرهما إلى الحائط،وإرتفع شخيرهما ،فقالت لن يستيقظا قبل ساعة على الأقل ،ويجب أن أسرع إذا أردت أن يمرّ اليوم على خير ،وذهبت الى السّوق وأخذت الورق ولما قرأتها ضحكت، فلقد كان فيها أبيات من الشعر ثم قصدت السّوق ،وفي الطريق كانت تستمع الى زقزقه العصافير ،ولاوّل مرّة منذ أشهر ترى جمال الأشجار، وتشم رائحة الرّياحين المنعشة.
واخيرا اقتربت من أول الدكاكين ووقفت خائفة ،وهي تستمع للضّوضاء عن قرب ،وللباعة ،وكل منهم يصيح بصوت اعلى من الاخر ،والحركة لا تتوقف لكنها سرعان ما أحسّت بالسّعادة .و قررت أن تدخل الى سوق المدينة ،وتتفرج على البضائع ،حولها وجدت الاطفال يركضون ،والنسوة يجرّبن العطور ،وتفوح رائحة المر والبخور من الرفوف ،والباعة يعرضون عليها الحرير والذهب ينادونها : .. اشتري من عندنا الحرير فهو من اجود الانواع التي جاءت من سمرقند.. ولكنها لا ترد عليهم وتكتفي بابتسامه لاترتسم على فمها الملثم ،ولكنها تظهر في ثنايا عينيها اللتان تفصحان عن كل ما يختلج داخلها من مشاعر،وواصلت التّجول وهي تبحث عن الفتى الذي رأته في القلعة حتى صادفت واحدا يقف وسط السّوق ،ويبيع الأزهار …
…
يتبع الحلقة 2
من قصص حكايا العالم. الاخر