مكتبة الأدب العربي و العالمي

المزمار_السحري الجزء التاسع والأخير

عندما غمرت المكان الانوار البيضاء .. ثم حل سكون عجيب..
في تلك الاثناء.. فتح احمد عينيه..شاهد نفسه يطوف في فراغٍ كله بياض..هل أنا في حلم؟؟ ام إنني ميت؟؟
تسائل هو.. ثم وجد نفسه ينادي باسم بدور مرةً بعد أخرى..
وهنا… أتاه الجواب..نعم يا احمد.. أنا هنا..

إلتفت فرآها أمامه… هي بذاتها.. الاميرة بدور ذات الجمال الأخاذ..
هرع إليها يريد معانقتها.. لكنه لم يستطع الوصول إليها..
قالت له :عزيزي.. نحن لم نعد في عالمنا بعد الآن..
قال وهو يبكي :لا يهمني.. المهم أن نجتمع سوية..
قالت :هل ترغب أن نبقى هنا لوحدنا في هذا العالم الذي ليس فيه غيرنا؟؟
قال :إذا كنا سنبقى معا… فنعم أرغب……
قالت :لكن ما رأيك أن نعود الى عالمنا الذي جئنا منه؟؟ لنجرب هناك التعايش سويةً مع ذلك الحب الحقيقي الذي حضينا به..
أجاب :أخبرتكِ أنه لا يهمني المكان الذي سنتواجد فيه, ما دمنا سنظل معا…..

فقالت هي بابتسامة :إذن أغلق عينيك واستمع الى صوتي وهو ينادي باسمك..
أغلق الفتى عينيه..ثم لم يعلم كم مضى من الوقت بعد ذلك حتى شعر أخيراً بصوتها الرقيق وهو يناديه بحنان..
فتح عينيه.. فشاهدها عيانا..حقيقةً هذة المرة وليست خيالا..
بادلته النظرات..ثم اقتربت منه باكيةً فأحاطها بذراعيه.. وقبّل رأسها..
نظر إليها بعيونٍ دامعة وهو يسألها إن كانت بخيرٍ ويلح في السؤال..
فطمأنته أنها على ما يرام.. وبأنها لا تفهم كيف حدث ذلك..
فقال لها :أيتها المجنونة.. أتدركين أنكِ قد ضحيتي بنفسكِ لأجلي؟؟ وأني كنتُ سأخسركِ؟؟
قالت :ولكنني هنا الآن.. وأنت لم تفقدني بعد.. فلا أحد يخسر في رهان الحب الصادق..

أذهله وجودها على قيد الحياة، فصاح من الفرحةما زلت لا أصدق عيناي… أهذه أنت أمامي حقا؟؟
وهنا.. اقترب منهما رجلٌ في منتصف العمر وقال :
أنا هارون.. شكراً لكما على إنقاذي وتخليصي من لعنتي..
فحبكما لبعضكما كان بحاجة لاختبار التضحية حتى يصبح جاداً ويغدو قادراً على كسر اللعنة..
لقد برهنتما بحبكما العذري لبعضكما البعض، أن الأمل لا يزال موجوداً في الحياة.. ما دام الحب موجوداً فيها..
وأن الخير المستخلص من ذلك الحب، لهو بالفعل أعتى من كل القوى..وأنه حقاً يصنع المعجزات..

أثنى هارون عليهما كثيراً وبارك حبهما ثم ودعهما وانصرف..
وبينما هما في غمرة فرحتهما الطاغية.. إذ وصل إليهما جنود المملكة وعلى رأسهم الملكة.. والتي ما إن رأت ابنتها حتى أسرعت لاحتضانها.. ثم أخبرتها أنها ستعود بها الى القصر..
أما احمد.. فقد أبعده الجنود جانباً عن طريق الملكة التي لم تكلف نفسها أن تلقي عليه ولو نظرةً واحدة!!!

أمسكت الملكة أبنتها من يدها بشدةٍ وأخذت تجرها مُرغِمةً إياها على نزول الجبل معها.. فصارت بدور تخاطب أمها وتطلب منها أن تتمهل عليها قليلا.. لكن الملكة أوغلت في عنادها ولم تترفق بها..

فطفقت بدور تتلفّت خلفها وتنادي على احمد… بينما الفتى يُساق بعيداً عنها بواسطة الجنود.. لكنها سمعته يصرخ نحوها ويقول :بدور.. لا تخافي.. فالأمر لم ينتهي إطلاقا.. بل قد بدأ للتوّ.. وسنلتقي ثانية.. أعدكِ بذلك… أتسمعينني يا بدور؟؟
فصاحت هي :بلى قد سمعتك.. وأنا بانتظارك لتنفذ وعدك لي..

وهكذا.. قضت بدور في القصر عدداً من الايام وهي بحالةٍ سيئة لأنها بعيدةٌ عن الفتى الذي تعشقه..فأضربت عن الطعام وقضت لياليها في البكاء شوقاً إليه..
لكن أمها أخبرتها أنها ستنساه قريبا.. وأنها لن تتزوج إلا من الامير شهاب الذي اختارته لها..

وفي أحد الايام.. أبلغتها أمها أن الامير شهاب قد حضر لخطبتها.. وأنه ينتظر ليراها على انفراد في الغرفة المجاورة..
فنهضت بدور بعصبيةٍ وهي مصممةٌ على إفساد الخطبة وطرد الامير..
فدخلت الغرفة حيث يقف شهاب وأغلقت الباب خلفها بشدة.. فالتفت إليها الامير والذي ما إن رأته هي حتى جمدت مكانها وقد أخرست الدهشة لسانها..
فالذي رأته أمامها لم يكن سوى أحمد لكن بثياب الامراء!!!
اقترب منها الفتى وأمسكها من يديها وهدأ من روعها ثم قال :
بلى يا بدور.. إنه أنا… احمد..
تساءلت  هي والدمع يتطافر من عينيها :لكن كيف؟؟… أنت هو…. أنت شهاب….

فوضع هو راحتيه على خديها وقال :أنا الامير شهاب واحمد معا… وسأشرح لكِ كيف..
فقبل فترة..عندما أصر أبي على تزويجي من بدور إبنة ملكة تلك البلاد.. كنت قد رفضت في البداية.. لكنني قررت بعد ذلك أن أزور هذه المملكة بمفردي حتى أتعرف أكثر على عادات شعبها وتقاليدهم..

وحالما دخلت بلادكم.. حتى قابلت راعياً عجوزاً يقود ثلاث نعجات فقط ويعزف على مزماره.. فأثنيت أنا على عزفه.. فدهش هو وأخبرني أن مزماره عجيب، ولا أحد يتمكن من سماعه سوى من يحمل في قلبه شعلة الحب الصادق الأصيل..
فأثارني الامر.. وقمت بتبديل ملابسي معه.. وكذلك استبدال فرسي مقابل نعجاته وذلك المزمار العجيب..

ثم رحت أتجول الى أن قابلتك يا عزيزتي عند الغدير..
أما لماذا لم أخبركِ حتى الآن.. فلأنني أردت بالفعل أن يكون حبكِ لي خالصاً لذاتي.. وأن لا يكون لمنصبي تأثيرٌ على نقاوة ذلك الحب..وهذا ما تحقق بالفعل..
فيا لسعادتي وحسن حظي بكِ يا أميرتي الفاتنة..
إستغرقت بدور بالنظر إليه ثم قالت :أوتعرف بما أشعر به الآن؟؟

خشي هو من ردة فعلها فشعر بالتوتر.. لكن بدور فاجئته بأن عانقته بفرحٍ وصاحت :أشعر أنني أطفو في السماء.. وأخطو برفقتك فوق السحاب..

وهكذا أسدل الستار على قصةٍ أخرى من قصص الحب الخيالية التي صارت تروى في أروقة ذلك القصر..
لكن بطلتها هذه المرة، كانت ذاتها الاميرة التي فتنتها تلك القصص، وسحرت خيالها..الاميرة بدور..
أما بالنسبة الى ذلك الراعي العجوز، فقد عاد الى رعي الاغنام مجددا..
وفي إحدى المرات..مد يده الى حقيبته القماشية الصغيرة، فاستخرج منها مزمارا..
نظر الراعي الى ذلك المزمار مليّا… ثم حك رأسه وقال بدهشة :
يا لي من أخرق… فلقد أعطيت الامير المزمار الخطأ… المزمار الذي لا يسمعه سوى من يحمل دماءً ملكية..
بينما احتفظت بهذا المزمار الذي رغبتُ في إعطائه له.. المزمار الذي يدلّك على نصفك الآخر.. ويرشدك الى الحب الحقيقي..
لقد كان في حقيبتي طوال الوقت!

 

من قصص حكايا العالم  الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق