مكتبة الأدب العربي و العالمي
المزمار_السحري الجزء الخامس
ألقى احمد ببصره نحو السماء المرصعة بالنجوم وقال :
لن أتركه يلمس شعرةً واحدة من رأسك وأنا موجود يا بدور .. عليه أن يقتلني ويمر فوق جثتي اولا..
اضطربت هي فقالت :
لقد قال إن أحدنا سيموت غدا…ثم شرعت بالبكاء..
فاقترب منها احمد وقال :
لا تخافي يا عزيزتي سلوى.. فلقد أبصرت اليوم قبل الغروب، أعداداً كثيرة من الجنود وهم يقتربون من الجبل.. لابد أنهم قادمون في إثرنا.. وسيصلون للقمة غداً لنجدتنا..
قالت :
إن خوفي عليك، لهو أكبر من خوفي على نفسي يا احمد.ثم مدت يدها فوضعتها فوق كفه.. فظل هو ممسكاً بكفها الى وقتٍ متأخر حتى رقدت..
فلما استيقظت عند الصباح.. نظرت إليه فلم تجده.. فأخذت تبحث عنه وتنادي عليه..
وبينما هي كذلك.. وإذا بها تعثر على مزمار احمد بين الحشائش.. فحملته وواصلت البحث..
أما أحمد.. فكان قد عثر على حفرةٍ في الأرض.. فقام طوال الليلة السابقة بتوسيع الحفرة وتجهيزها لتصبح كميناً للغول..
فلما حضر الغول في الصباح.. حمل احمد عصا غليظة وهدد بها الوحش.. فثار الاخير وركض وراءه.. فلما أصبح احمد قريباً من الحفرة قفز من فوقها فتخطاها.. لكن الغول لم يفعل فسقط فيها..
فوقف احمد على حافة الحفرة وقد شعر بزهو الانتصار..
لكن الغول فاجئ احمد بأن قفز كالغزال الرشيق فخرج من الحفرة وهبط خلف احمد.. فجزع الاخير وأصابه الذهول مما حصل للتوّ فقال الغول :
ألم تتعلم بعد بأنك في منطقتي؟؟ وكل شيئٍ هنا خاضع لقوتي..
ثم ضرب الغول بقبضته الارض فتزلزلت تحت قدمي الفتى فسقط مغشياً عليه.. فأمسكه الغول من ساقيه وسحبه خلفه نحو القلعة..
شاهدت بدور الغول وهو يجر احمد ويدخل به القلعة.. فأصابها الجزع وقررت مساعدة رفيقها..
وصل الغول الى سرداب القلعة.. فترك احمد قليلاً واتجه نحو تمثالٍ لرأس غولٍ ينتصب في منتصف الجدار.. أمسك الغول التمثال من قرنه وسحبه للأسفل فتزحزح التمثال نحو الاعلى، وبانت خلفه كرةٌ زجاجية مشعة..
وفي تلك الأثناء..
كان احمد قد بدأ يستعيد وعيه لكنه لم يستطع النهوض.. غير أنه استطاع أن يلمح ما كان الغول يفعله..
فلقد شاهد الغول وهو يستمد من الكرة الزجاجية شعاعاً يغمر بدن الوحش.. ففهم احمد بأن تلك الكرة ربما تكون مصدر قوة الغول، ونقطة ضعفه بنفس الوقت..
فلما انتهى الغول من عمله، أعاد جذب القرن فعاد التمثال لموضعه.. ثم التفت الى احمد فأغمض الاخير عينيه بسرعةٍ مدعياً بأنه لا يزال مغشياً عليه..
فسحبه الغول وألقاه داخل زنزانةٍ حديدية واغلق عليه الباب وانصرف..
وعندما أراد احمد فتح عينيه والنهوض.. وإذا به يسمع وقع خطواتٍ قادمة باتجاهه.. فأعاد تمثيل دور فاقد الوعي.. فشعر بشخصٍ يقف على باب زنزانته.. ثم سمع صوت بدور وهي تبكي وتقول :
ويحاً لي ماذا صنع بك هذا الوحش؟؟
فتح احمد عينيه فشاهد بدور جاثمةً على ركبتيها وقد أحنت رأسها على قضبان السجن وهي تبكي بصمت.. فرفع رأسه وقال :
بدور …..
فرفعت رأسها هي الأخرى تنظر إليه وهي مدهوشةٌ بدهشة الفرح ومدت له يدها فأمسك بكفها وقبّلها ثم قال :
آسف يا بدور ، لم أشأ أن أقلقك…
لقد أردت أن أضع حداً لما يحدث..
فقالت وهي تبتسم ودموعها ما تزال تنهمر من عينيها :
لا تفعل ذلك بي ثانية… سأقتلك بنفسي إن تركتني وحيدةً مرة أخرى..
قال :سمعاً وطاعة يا أميرتي..
هنا.. دهشت هي.. فقد ظنت أن احمد قد عرف حقيقتها فقالت :أميرة تقول؟؟؟
فأجاب :أنتي بالنسبة لي أنبل وأجمل من كل الاميرات..
في تلك اللحظات.. شعرت بدور بأنها تعيش تلك الاجواء التي ألفت على معايشتها في القصص الخيالية..
وكلمات احمد قد عززت في داخلها تلك المشاعر الحالمة..
فنظرت الى عيني احمد وقالت :احمد؟؟
قال :نعم يا بدور ..قالت :
أتحبني يا احمد؟؟
رد عليها :بلى يا سلوى.. قد أحببتكِ مذ رأيتكِ عند الغدير يا عزيزتي..
لكنها تراجعت فجأةً عن القضبان
وقالت :لا يا احمد… يجب أن لا تصل الامور بيننا الى هذه المواصيل…
قال هو :لماذا تصدين قلبك عن تلك المشاعر يا سلوى؟؟ أطلقي لها العنان..
قالت ونظرات الأسف تملأ عينيها :
نحن في خطر الموت ويجب أن نفكر في إنقاذ أنفسنا أولا..
لقد نظرتُ أسفل الجبل ولم أشاهد الجنود الذين تحدثت
عنهم..
أخفض هو رأسه ثم قال :آسف لأنني كذبت… لقد أردت أن أعطيكِ بصيصاً من الامل ليس إلا، ريثما أعثر على طريقةٍ لخلاصنا..
بدو. إنما فعلتُ ذلك لأني أحبك.. صدقيني..
عضت هي على شفتيها وقالت بحسرة :
ارجوك يا احمد توقف عن ذلك فما عدت أحتمل.. فنحن لا يمكن أن نكون لبعضنا، وهيا أخبرني كيف نخرج من هنا..
تنهّد هو ثم قال :إذا كان هذا ما تريدينه، فاعلمي أني ربما أكون قد وجدت نقطة ضعف الغول..
قالت :فما هي؟؟ دلّني عليها بربك..
قال :وماذا لو قبض عليكِ الغول أو آذاكِ… لن أغفر لنفسي حينها أبدا..
لا يابدور .. عليكِ أن تبتعدي من هنا..
لكن بدور ترجته أن يكشف لها عن نقطة الضعف هذه، حتى أذعن الفتى لها أخيراً فأطلعها على المخبأ السري خلف التمثال..
فتسللت بدور بحذرٍ حتى جذبت قرن التمثال فانزاح عن مكانه كاشفاً عن كرة الزجاج..
وما إن حملتها بدور حتى ظهر لها الغول من الخلف.. فلما شاهد الكرة بين يديها وإذا به يصرخ بها :
لاااااا… أعيديها الى مكانها… أنتي لا تفهمين ولا تعلمين ما سيحدث لو تضررت الكرة..
لكن بدور ألقت الكرة على الأرض فتهشمت الى آلاف القطع…..
وفي تلك اللحظات..
تلبدت السماء بغيومٍ سوداء..
وأخذت الصواعق تضرب قمة الجبل..
ثم ملأ القلعة دخانٌ غريب.. تلا ذلك أن ظهرت من بين الدخان إمرأةٌ طويلة في منتصف العمر تتشح بملابس سوداء.. يبدو على ملامحها المكر والدهاء……..
يتبع في الجزء السادس
من قصص حكايا العالم الآخر “واقعية “