مكتبة الأدب العربي و العالمي

التفاح_الحباري الجزء الرابع

كن حذرا ،لا يجب أن يحسّ بك أحد عندما تفتح السرداب !!!

سمعت قمر كلّ ما دار بين الرّجلين ،أدركت أنّ السّلطان في خطر ،وأحسّت بقلبها يخفق ،لم تعرف هذا الشّعور من قبل ،كان بودّها لو تطير إليه ،وتخبره ما يدبّرون له في الخفاء ،لم تكن البنت تدري أنّها عاشقة فلقد كان جمال الدين فتى وسيما يلوح عليه الحزم ،وبسرعة ربط الحب قلبيهما، في هذه اللحظة كان السّلطان يفكّر فيها أيضا ،وينتظر لقاءها بفارغ الصّبر .
في الليل نزلت قمر إلى البحيرة ،واستحمت، ومشطت شعرها ولبست ثوبا أبيض من حرير سمرقند ،ووضعت في رقبتها عقدا من اللؤلؤ ،وتجمّلت ،ثم جلست تنتظر السّلطان ،وقد ظهرت عليها اللهفة ،بعد قليل جاء جمال الدين ولمّا رآها إنحبس الكلام في حلقه من شدة حسنها وبياضها ،قّبل جبينها ،وقال :من اليوم مقامك بين الأميرات !!! هلمّ الآن للنشوي لحمنا ودجاجنا ،وأخبريني كيف سرقت دجاجة حارس البستان ؟
ضحكت قمر ،وقالت آه نعم، لقد إحتلت عليه، وأشبعني سبّا وشتما ،لا بدّ أن أعوّض له عن ما أكلته !!! أمضيا جزءا من الليل وهما يتنادمان ويضحكان ، حكت له عن قصتها ،وعن الحدأة التي خطفتها عندما كانت صغيرة ،فتعجب منها، وقال : أما أنا فقصتي محزنة ، لقد إختار لي أبي فتاة من بنات الملوك لكني لا أشعر نحوها بالحب ،فهي مغرورة ،وهي كثيرا ما تلومني على مجالسة البسطاء، وتقول لي أن هذا لا يليق بك .
أمّا أنت فقلبي يحسّ بالسّعادة معك ، الوقت الآن متأخر ،لا بدّ أن أنصرف ،وغدا سأعطيك غرفة في القصر إن أردت !!! نظرت إليه بتردد ،وقالت: أنت في خطر يا جمال الدين !!! رمقها بدهشة ،وسألها عن ماذا تتحدثين ؟ روت له ما سمعته في الصّباح ،فظهر على وجهه الاهتمام ،وقال هل بالإمكان أن تصفهما لي ؟ أجابت : أحدهما يرتدي ملابس الحراس ،والآخر يحمل وشما فيه حيّتين على ذراعه ،ضرب يده على جبينه وقال لها :لقد رأيت في المنام رؤيا مزعجة منذ أيام ،والآن عرفت تفسيرها : فالحيّتين هما ذلك الرّجل الذي يريد قتلي،أمّا الطائر الذي خرج من الغابة،و أنقذني هو أنت يا قمر ،ثم عانقها،و قبّلها .أحسّت قمر بأنفاسه،و دفئ شفتيه على وجهها ،وتمنّت لو يدوم ذلك ،لكن السّلطان كان قلقا ،وقال لها : أمامي وقت قصير لأتدبر الأمر، وإلاّ ضاع ملكي !!!
طلب من الحرّاس إيقاظ الحكيم من النوم ،وإحضاره على الفور ،ولمّا جاء فتح عينيه بصعوبة ،وسأل ماذا يحدث ؟ لا شك ان الأمر خطير ؟ أجاب السّلطان أكثر ممّا تتصوّر، ثمّ حكى له قصّة الحلم، والحوار الذي سمعته قمر ،قال له الحكيم : لأنّك أمرت بترميم المساجد والزوايا، وما فسد من المدينة، فإنّ الله أرسل لك هذه البنت من آخر مملكتك لتحذّرك من مكائد القوم سبحان الله الذي جعل لك مخرجا وأنت لا تعلم .
أمّا الحلّ فهو أن ترسل في طلب الأمراء والقادة واحدا تلو الآخر، ثم تسجنهم ،وتنصب كمينا للحارس الذي سيفتح باب السرداب وللقاتل ذو الحيّتن ،لمّا أتمّ الحكيم كلامه تثائب، وقال للسّلطان: أمّا الآن فسأرجع لأنام ،وقبل أن أنسى، إذا قضيت على الفتنة ،فتزوّج من تلك البنت قمر، فأنت تحبّها، وهي أيضا تحبّك، كلنا نحسّ بذلك …
في الصّباح أرسل جمال الدّين في طلب الأمراء والقادة، وأوصى رسله أن يأتون بهم واحدا بعد الآخر لكي لا يثير ريبتهم. ولمّا لاحظوا أنّه يعلم كل شيئ اعترفوا بخطيئتهم. كان السّلطان يسمع، وقد هالته المؤامرة، وفهم أنّ رأس الشرّ، هو أخاه المنصور الذي كان وليّا للعهد، لكنّ حكيم الزّمان نصح أباه باستبداله بالابن الأصغر، وعاب عليه الفسق وسوء التدبير، وكان يعلم أنّ أخاه لم يعجبه ذلك، وهدّد الحكيم بفقئ عينيه، وقطع لسانه لو آل العرش إليه، ونسي أنّه مؤدّبه..
ولماّ أحصى السّلطان من بقي مخلصا له، لم يجد سوى القلة من الأعوان ،كان مازال يثق في الحرس رغم خيانة رئيسهم ،وهم من المماليك الذين تربّوا في القصر ،وكان يلعب معهم عندما كان صغيرا ،نادى على سليمان وهو من أشجع مماليكه ،وروى له ما يحدث ،فأجابه : لا تقلق !!! فكلّ الحرس في صفك ،وهم لا يحبّون أخاك لغلظته ،سنقبض أوّلا على رئيس الحرس ،وذو الحيّتين، ثم نتدبّر أمر المنصور الذي سيجد نفسه وحيدا .
في الليل كان كلّ شيئ هادئا عندما تسلّل شبح إلى غرفة العرش حيث يوجد السّرداب ،ولقد حفروه لكي يتمكّن السّلطان من الهرب خارج المدينة في حالة الحصار، وفقط السّلطان ووليّ العهد يعرفان بسرّه، والمنصور هو من دلّ رئيس الحرس على مكانه ،ضغط محمود عن زرّ في قاعدة أحد التماثيل فتحرّك من مكانه ،وظهرت تحته فجوة ،وبعد قليل أطلّ منها رأس ،وما كاد ذو الحيتين يخرج حتى وقعت عليه شبكة ،ووقعت أخرى على رفيقه الخائن، وأحاط بهم الحرس وهم يصوّبون إليهم سيوفهم، وحرابهم ،جاء السّلطان ،وقال لمحمود : أمن أجل حفنة دراهم تبيع سلطانك ؟ ألا تخجل من نفسك ؟ استغرب محمود ،وتساءل كيف عرف بالأمر فلم يكن في الحديقة سواهما وذلك الجمل الصغير، ثم ضرب رأسه بيده ،وتمتم : لم يكن جملا ،وإنما أحد عيون السّلطان ،لقد كنت مغفّلا !!!
قال ذو الحيّتين للسّلطان: والله ما دفعني إلى الخلاص منك سوى ما سمعته عن ضعف حيلتك، وقلّة همّتك ،وأنك لا تصلح لدفع أعدائنا من قبائل الشّمال، وقد تأكّد لي اليوم أنّي كنت مخطئا في حقّك، وأنا وقومي من سكّان جبل الحيّات سننحاز إليك، وهم من أقوى المحاربين، ولقد تعّودوا على العيش في جبلهم لا يخرجون منه إلا لحاجة، لكن اليوم سيبايعونك على الطاعة، بعدما ظهر لي من حسن رأيك وتدبيرك، وسأتحايل على أخيك وآتيك به إن وثقت بي!!!
ذهب الرّجل إلى المنصور، وأحضر سلة وضع فيها حجرا، وقال له: هذا رأس أخيك، ولم يبق إلا أن تذهب إلى القصر فهناك ينتظرك الأمراء والقادة، قال له: أحسنت صنعا، والآن سألقي بك في السّجن، ولما أجلس على العرش سأقتلك، فليس من عادتي أن اترك  شاهدا على أفعالي السّيئة، وسأغزو جبلك لأجبر قومك على دفع الضّرائب، ليس فقط لهذه السّنة ،بل أيضا السّنوات الماضية، ولتعلم أنّي لن أهادنكم كما فعل أبي، ولا أحتاجكم في جيشي، يكفيني أن آخذ ما عندكم من مال !!! حمد ذو الحيّتين الله أنه لم يقتل السّلطان جمال الدين، وندم على غبائه، وتصديق أقوال المنصور.
جمع المنصور رجاله ،وقال لهم : ستثقبون سور حديقة القصر في الليل ،وتختفون وراء الأشجار .وفي الصّباح سأدعو الأمراء و القادة للنزول للحديقة للاحتفال بالنّصر، وعندما ترونهم أمامكم تطلقون سهامكم ،وتبيدوهم عن آخرهم، فأنا لا أثق بالخونة ،لقد أكلوا من خير أخي، ولو كانوا كراما لما خانوه ،أقتلوا أيضا الحرس ،فهم من المخلصين له ، وقرب القصر هناك جبّ كان أبي يرمي فيه اللصوص والقتلة، إقذفوا بهم هناك، واردموهم ،ولا تتركوا أيّ أثر لهم ،هل فهمتم ما قلته لكم ؟
كانت قمر نائمة في كوخها ،وفجأة سمعت صوت ضرب على السّور، فذهبت لترى ما يحصل ،فإذا ترى رجالا ملثّمين يتسلّلون إلى الحديقة ،شاهدها أحدهم، وقال: بعد إتمام مهمّتنا سنذبح هذا الجمل ،ويكون غدائنا ،أحسّت بالفزع ، فأخذت ثوبا أخفته تحتها، وهربت ،ولمّا وصلت قرب باب القصر، نزعت الجلد، ولبست الثّوب ،وبدأت تطرق بشدّة ،فتح الحرس الباب ،وقالوا لها :ويحك ماذا تفعلين هنا ،وكيف دخلت؟ أجابت لا وقت عندي لكي أشرح لكم ،خذوني إلى السّلطان !!! لكنّهم منعوها من الدّخول .
كان جمال الدّين واقفا مع المملوك سليمان ،وسمع الضّجة ،فجاء وسأل ما الأمر ،قالوا له هناك جارية في الحديقة لا يعرفوا من أين أتت ،و ترغب في رؤيته . ما إن فتح الباب حتّى إرتمت في أحضانه ،وبدأت تبكي . أخذها إلى الدّاخل ،وأمر لها برداء، وضعه على كتفيها ،ثم سألها ماذا حصل يا قمر ؟ قالت بصوت متقطع : جاءوا لقتلك مرّة أخرى ،هم في كلّ مكان في الحديقة، إياك أن تنزل يا جمال الدّين !!!

يتبع

من قصص حكايا العالم. الاخر ” واقعية “

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق