مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #الأمير_وبئر_الجان عاقبة الظلم الجزء الثالث والاخير

رأى الشّيخ البنت تنظر إليه بتردّد ،فسألها : هل لك حاجة تريدين قضاءها ؟ أجابته: إنّي أبحث عن لالة عيشة ،هل تعرف دارها ؟ تفرّس عبد الله فيها ،فإذا بها تغطّي نفسها ،ولا تظهر إلا عيناها ،ولم يتذكّر أنّه رآها من قبل ،فتعجّب وقال لها : إن أخبرتني عن سبب مجيئك ساعدتك، نظرت يمينا وشمالا ،وقالت: أعذرني ،سأنصرف الآن !!! إشتدّ فضول عبد الله ،وقال : إسمعي ،أرى أنّك خائفة ،لكن بإمكانك الوثوق بي ،فعيشة إبنة أختي من الرّضاعة نظرت حورية إليه، فأحسّت بالطّيبة في وجهه ،وقالت : لي رسالة إليها ،ولن أزيدك كلمة واحدة ،أجاب عبد الله :إذن هيّا بنا ،وفي الطّريق لم يتوقّف عن التّفكير في تلك الجارية الغريبة ،وعرف بفراسته أنّ وراءها سرّا ،ولا يمكن أن يتعلق الأمر إلا بالسّلطان عمر الذي إختفى منذ أربعين يوما ، ولم تنفع كلّ المحاولات في العثور عن مكانه .توقّف فجأة ،وفتح فمه لكي يسألها، لكن وضعت إصبعها على شفتيها ،فلم يعد أمامه بدّ من مواصلة طريقه في صمت ،وفي النّهاية وصلا إلى زقاق ضيّق مشيا فيه قليلا ،ثم وقف الشّيخ أمام دار صغيرة، فأمسك الحلقة ،ودقّ الباب ،وبعد قليل فتحت امرأة قد إنتفخت عيناها من كثرة البكاء، فقال لها :لقد قطعت هذه الجارية مسافة طويلة ،وتقول أنّ معها  رسالة لك ،مسحت المرأة وجهها بمنديل كان في يدها ،وقالت لها :عذرا يا إبنتي، أدخلي ،وسأحضر لكما القهوة ،جلست حورية ،ونظرت حولها ،فكلّ شيئ يبدو نظيفا وأنيق ينم عن ذوق رفيع ،حضرت القهوة والماء البارد ،فشربت البنت واستراحت وعبد الله يتعجّب من جمالها وشقرة وجهها ،ولمّا رأى أنّها تخفي ساقيها إستعاذ بالله ،أحسّت حورية بخوفه واصفرار لونه، فقالت أنا جنّية، ولا يغرنّكما ما تسمعانه عنّا فنحن نشبهكم لكنّنا نقدر عن الظهور والإختفاء ،وطبّنا أقوى من طبّكم ،ويشفي أمراضا كثيرة تعجزون عن علاجها ،قالت المرأة : من المأكّد أنّك لم تبحثي عنّي في كلّ مكان لتحكي لي عن قومك فأمي ساحرة، ولها صديقة من الجن ،والآن أفصحي لي عن سبب زيارتك ،فكلي شوق لمعرفة ما تخفينه ،
نظرت إلى عبد الله وترددت قليلا لكن عيشة أخبرتها أن تتكلم ولا تخش شيئا ،فقالت إبنك عمر حيّ، وهو من أرسلني ،لمّا سمعت المرأة ذلك شهقت ،وسألت أرجوك أخبريني هل هو بخير ،أجابتها لقد عالجته بسحري سبعة أيام ،وتقاسمت معه صحفة الطعام وكسرة الخبز ،قال عبد الله : هل تعرفين ما جرى ؟أوئامت برأسها وردت :أعتقد أن أخاه دفعه وسط البئر محاولا قتله ،لأنه يعتبر الحكم من حقه !!! صاحت المرأة :لقد كنت متأكدة أن ذلك سيحدث يوما ما ،إسمع يا عبد الله لا نريد حكما أو جاها ،سأبيع هذا البيت بما فيه وأرحل من هنا أنا وابني، وسنأخذ هذه الجارية معنا !!! قالت حورية : هذه ليست رغبة عمر فهو تعود على العيش معنا ،ونحن ليس لنا من يحكمنا ،فجعلناه سلطانا علينا وهو يحبني وسنتزوّج ،قالت المرأة وأنا ،هل فكّرتما في شأني ؟
ردّت حورية :تعالي لزيارتنا ،فنحن لا نأمن من غدر أخيه إن سمع أنه على قيد الحياة ،فكّرت المرأة ثمّ قالت :بارك الله فيك يا إبنتي ،فلقد وجدنا الخير فيمن ليس من جنسنا ،والآن خذني إليه ،فوالله منذ أيّام طويلة وأنا أعاني مرارة الفراق ،ثم لفّت له صحفة من الكسكسي باللحم ،وخرجت مع حورية وعبد الله حتى وصلوا للبئر ،فصعد عمر وعلى رأسه تاج مرصّع بالزّمرد والياقوت ،ففرحت أمّه بسلامته ،وضمّته إلى صدرها والدموع تتساقط من عينيها وقالت: لقد عوّضك الله خيرا ،ورزقك بنتا تحبّك ،فابق هنا ففي مملكة أبيك لم يعد أحد يأمن على نفسه ،فلقد عاث أخوك فيها فسادا ،وهو لا يشبع من نهب الأملاك والأموال ،وقد أحاط نفسه بالخدم والحشم !!! قال عمر: :الله وحده هو من سينتقم منه ،فلقد أساء أبي تربيته . في المساء إنصرف عبد الله وعيشة ثم قال لها : مطابخ القصر مليئة بالخيرات ،وسأرسل كلّ يوم عبدي صفوان بطعام له ولفتاته، فكما أكرمته سنكرمها ،وصار العبد يدخل كلّ يوم للمطبخ ،ويملأ جرابا بالطعام والفواكه والحلوى ثمّ يركب حمارا ويذهب للبئر .
وكان صفوان مخلصا فلم يتكلّم بما شاهده لأحد ،كان الطّباخ رجلا لئيما، وذات يوم قرّر أن يتبع العبد ليراه أين يذهب كلّ يوم ،،وعلم أنّ ذلك الطعام لعمر وحبيبته الجنية ،فقال في نفسه : إن قتلت عمر ،فسيفرح السّلطان عليّ بموت أخيه ويكافئني  ،وربّما يعطيني منصبا كبيرا في القصر ،فأرتاح من حرّ المطبخ ،وتخدمني الجواري والعبيد ،ثمّ طبخ قطعة حلوى كبيرة ،وزيّنها باللّوز والبندق ،ودسّ فيها سمّا يقتل لساعته. ولمّا جاء صفوان أعطاها له فوضعها في جرابه ،وخرج. وبينما هو يمشي قابل السّلطان علىّ فسأله :ماذا تحمل أيّها العبد، ومن سمح لك بالدخول لمطبخي ؟ كان صفوان فطنا ،وأجابه : لقد أرسلني الوزير عبد الله لأخرج صدقة عن روح أخيك عمر رحمه الله ،فأجابه بغلظة : الحيّ أبقى من الميّت ،ثمّ إنتزع منه الجراب، ولمّا رأى الحلوى ،إشتهى أن يأكل منها هو وأعوانه ،وما أن وضعوه في أفواههم حتى حجظت عيونهم ،وسقطوا موتى ،فقال العبد : سبحان الله ،بغض أخاه في الصّدقة، فانتقم الله منه رغم قوّته ،أمّا أخوه ،ففعل الخير ،ورزقه الله وهو وسط بئر .
وهذا درس يكون عبرة لمن يعتبر ،أمّا السّلطان عمر ،فرجع لقصره، وتزوّج حورية ،وصار سيّد الإنس والجنّ ،ولم يحدث ذلك منذ زمن بعيد ،وما زال الناس يذكرون أولئك الشّقر ذوي العيون الزرقاء ،ويقولون أنّهم من ذلك الزّواج المشترك .

من قصص حكايا العآلم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق