مكتبة الأدب العربي و العالمي
العنكبوت_الأسود النصف الاول
تزوّجا عن حبّ، كانت قصة علاء و نوريّة معروفة في كل القرية ،ليس من المألوف أن تنشأ قصة حبّ في الرّيف المحافظ بهذا الشكل ،لكن الناس تعودوا عليهما .كانا لا يزالان شابين يافعين لذلك لم يكن يمكنهما الزواج ،كان علاء نشطا في أعمال الزراعة رغم سنّه لذلك أعطاه أبوه قطعة أرض صغيرة ليعمل فيها لحسابه وحالفه الحظ إذ كان الموسم جيدا ، وكذلك الأربعة سنوات الذي تبعته ،إشترى له أبوه قطعة أرض أخرى ،وأبقارا ،ودعى علاء صديقته نورية للإهتمام بها .
بعد وقت قصير أصبحت حالتهما المادية جيدة جدا، وساعدهما الأب في بناء بيت صغير ،و تزوجا في سن مبكرة .كانت نورية تبلغ فقط 16 سنة، و كان علاء يكبرها بعامين ،مرت سنوات وسّع فيهم الزوجان البيت حتّى أصبح قصرا صغيرا ،و بنيا قربه كوخا صغيرا للإستراحة في أيام الصيف ،خلال هذا الوقت رزقا بطفلة جميلة زرقاء العينين ،حسدهما أهل القرية على جمالها كانت العائلة الصغيرة سعيدة ولها كل ما تشتهيه ..
كانت لهم جارة ترمّلت مبكرا ،وترك لها زوجها بنتا في مثل عمر نورية ،وكانت الجارة تحسدها على سعادتها ،وتتسائل ابنتي المحترمة دون زوج ،وهذه الدّاعرة تعيش أحسن حياة ،في أيّ عالم نحن ؟ وعندما رأت جمال البنت الرّضيعة ،لم تعد تستطيع إخفاء حقدها و غيرتها ..
وكما يقولون العين حقّ ،بينما كانت نورية تحفر لزرع الورود أمام بيتها ،خرج عنكبوت كبير أسود ،ولدغها في يدها،صاحت من الألم ،علاء لم يكن موجودا حملت إبنتها، وأسرعت إلى مؤدّب القرية ،فهو أبرع النّاس في علاج لدغات الأفاعي ،عندما أخبرته عما حصل، إندهش فلم يسمع بوجود عناكب سامّة في هذا المكان ، لا يمكن أن يكون سوى من أعمال السّحر ..
جرح يدها ،وامتصّ السّم ثم بصقه كما يفعل كل مرّة ،ثم وضع على الموضع بعض الأعشاب و نصحها بالذهاب إلى أقرب مستوصف ،لأن هناك بقعة زرقاء بدأت تنتشر على الجلد ،في طريق عودتها وجدت علاء يهرول نحوها ،و يصيح بحق السّماء ماذا يجري ؟ أرته مكان اللدغة، فذعر، لقد إكتست يدها بلون أزرق داكن ..
أوقف علاء أوّل عربة مرّت به ،لقد كان احد أصدقاء والده ،شرح له الموقف بسرعة ،وقال : وضعها لا يحتمل التأخير ، يجب الذهاب إلى المستشفى في المدينة حالا ،طوال الطريق كانت نورية تصرخ فلقد بدأت تفقد الإحساس بيدها ..
قرر الطبيب ان يقوم باعطائها حقنة ضدّ السموم و اشار عليها باجراء التحاليل ، و عندما ظهرت النتيجة اندهش الأطباء ،فهذا العنكبوت مجهول، وسمّه لا علاج له اكتشفت الاسرة التي كانت سعيدة هذا الخبر و جاء كالصدمة في وجه علاء ،الذي جفت دموعه بسبب ما اصاب زوجته الحبيبة ، و بعد فترة من العلاج يأس الجميع و وصل السمّ الى مراحله النهائية حتى فارقت نورية الحياة ،ولآخر لحظة كانت توصيه بإبنتها التي إحتضنتها بقوة . و هنا شعر علاء ان حياته قد انتهت و لكنه استجمع شتات نفسه من اجل إبنته ..
قرر بعد فترة ان يتزوج من امرأة اخرى من اجل ان تساعده و ترعى ابنته الوحيدة ، رأى يوما إبنة جارتهم حورية تطل من النافذة، كان لها نفس عمر زوجته .تشجع و ذهب إليها ،كانت من النوع الإنطوائي ولا تكلم سوى عددا قليلا من الناس ، أخبرها في رغبته من الزواج وعندما سمعت أمها أحست بالغبطة ،فـعلاء كان شابا جيدا ،وعائلته من أعيان القرية ..
في البداية كانت تعامل الإبنة بحنان، و تغدق عليها العطف ،لكن عندما حملت، وأنجبت إكتشفت أن الرّضيعة قبيحة المنظر ،ضيقة العينين ، مع مرور الوقت تغيرت معاملتها لإبنة نورية التي إزدادت حسنا وبهاء ،وأصبحت تقسو عليها ،وذات يوم بينما كانت حورية ابنة الجارة نائمة إذ رأت في حلمها أن أمّها أخرجت من الحائط علبة نحاسية قديمة ،و عندما فتحتها كانت هناك حشرة سوداء قبيحة المنظر جامدة ،تمتم أمها بعبارات كانت في ورقة مطوية داخل العلبة ،وفجأة تحرّكت الحشرة وخرجت إلى المنزل المقابل الذي أصبح الآن منزلها ..
لم تكن لتهتم بذلك الحلم لولا تذكرت شيئا غريبا ،لقد كان وجه الحشرة يشبه شيئا ما وجه إبنتها القبيح ..
لم تكن تحتاج إلى دليل أن أمّها إستعملت سحرا أسود ،لا شك أنه يعود إلى جدتها الأولى وكان مخفيا طوال سنوات طويلة في الجدار ،وهي متأكدة أنّ قبح إبنتها هو جزاء الله على استعمال ذلك السحر في حق امرأة وديعة ورقيقة ..
زاد إهتمامها بإبنتها كانت تحاول أن تعوّض لها عن النقص الذي بها، كانت تدفع مالا لأبناء الجيران حتى يأتون للعب معها فقد كانوا يهربون منها بمجرد رؤيتها ، ،كان علاء يلاحظ فتور حورية في الإعتناء بإبنته، و كانت تشكو ذلك لأبيها ،اصبح علاء يحمل ابنته ويذهب كل يوم إلى قبر زوجته يبكي دموعا حارة ،ويخبرها أنّه قد إشتاقها ..
في أحد الأيام قررت حورية ان تقيم وليمة كبيرة تدعو اليها جميع افراد اسرتها من اجل السهر و المرح . عندما وصلوا إستاءت أن يلاحظوا الفرق في الجمال بين إبنتيها ،فأخذت الفتاة الجميلة ذات السبعة سنوات، وأعطتها طعامها ووضعتها في الكوخ وأغلقت عليها الباب وقالت لها : سأعود بعد إنصراف الزوار لإخراجك ،لا أريد أن يمدحك الناس و يسخرون من إبنتي
كان الطقس باردا في ذلك اليوم الشتوي إرتجفت البنت من الصقيع و صرخت لكن ليس من مجيب .انتهت الحفلة ونسيت الزوجة انها تركت البنت في الكوخ في هذا الطقس البارد، وذهبت الى النوم ، رجع علاء متأخرا على غير العادة ،عندما دخل كان متعبا جدا وسأل : هل الاطفال في غرفهم ؟ ، فاجابته الزوجة القاسية : نعم جميعهم نيام .. لا تقلق ..
عندما نام رأى زوجته التي ماتت في الحلم تقول له : إبنتي ليست بخير أرجوك افعل شيئا، فاستيقظ علاء فزعا ،وقال لحورية : هل انت متأكدة ان الاطفال في غرفهم ؟ ، فقالت الزوجة
من فقص وحكايا العالم الاخر