مكتبة الأدب العربي و العالمي

#حارس_المقيرة الجزء الاول

كان لطفي يستعد للذهاب إلى عمله الذي كان حارس مقبرة القرية التي تقع في أطراف القرية لحراستها مع كلبه حتى نادته زوجته هيا يا لطفي عشائك فوق المائدة
تعالى بسرعة قبل ان يبرد

خرج لطفي وهو يرتدي بدلته الخاصة بالحراسة ويحمل مصباحه اليدوي الكبير بيده اليمنى والمذياع في يده الأخرى
جلس على المائدة وتناول عشاءه وهو ينظر الى ساعته ويراقب الوقت . خاطبته زوجته قائلة :إلى متى تبقى على هذا الحال يا لطفي ألم تجد لك عمل أخر غير حارس المقبرة ؟
توقف لطفي عن الاكل وإلتفت إلى زوجته وقال ساخرا :
لا عليك بعد شهر من الان سأفتتح عيادتي الخاصة وأعالج فيها مرضى وتنتهى الازمة او ربما قريبا سأقوم بتدشين مصنعي الخاص

الى متى نظل في هذا النقاش يا سعاد ثم ما به حارس المقبرة اليست افضل من لا شيء على الاقل نحن نعيش من قوتها ومستورين وغيرنا يحلم بها

فردت عليه سعاد تقول : الحمد لله ولكن أنت تعلم أنك كل ليلة تخرج من المنزل ولا تأتي إلا مع الصباح وتتركني وحدي مع اطفالنا الصغار ثم أن المصروف لا يكاد يوفي معنا الى اخر الشهر ومصاريف المنزل كثيرة ولولا الحسنات التي يقدمها إلينا أهل المتوفي مقابل حراسة قبر امواتهم لكنا الآن نسعى في شوراع

أكمل لطفي تناول عشاءه في صمت ثم قال :بحثت كثيرا ولم أجد غير هذا العمل ثم اتي أحاول أن أجد عمل إضافي في النهار  ولكن أنت تعرفين أحوال القرية بالكاد يستطيع المرء ان يعثر هنا على وظيفة

لم يعجب سعاد ماقاله زوجها فأجابته ممتعضة : منذ سبع سنوات وأنت تكرر نفس الحجة كل أصحابك الذين كانوا هنا سافرو إلى المدينة وعثرو على مهن أفضل سوى انت بقيت هنا تحرس الاموات وتعيش على صدقاتهم

انتفض لطفي في غضب وصاح : لا حولة ولا قوة إلا بالله تمنيت للحظة واحدة أن أحظي بتناول لقمة في هذا البيت معكِ ولكن لا يحلوا لك الحديث عن هذا إلا اثناء تناول الطعام وتعكير مزاجي ثم نهض في غضب وكف عن تناول العشاء وقال : لم يعد لي الشهية في الأكل في المرة القادمة سأخذ العشاء معي إلى المقبرة حتى أتناوله هناك بين الأموات فعل الأقل لن يفسدوا علي جلستي

خرج لطفي إلى فناء المنزل فوجد كلبه واقف ينتظره ففك رباطه وساقه امامه متوجها الى المقبرة التي تبعد مسافة كيلو متر عن القرية وكان لطفي يقطع هذه المسافة مشيا على الأقدام وكلبه يسير إلى جانبه   ، وما ان يصل إلى المقبرة حتى يتوجه مباشرة إلى غرفة الحراسة ثم يفتح الباب ويوقد النار هناك و يضع إبريق الشاي على ناصية الموقد وبعدها يخرج مذياعه الصغير من جيب معطفه ويضعه بالقرب منه .

كان الصمت مطبق على أرجاء المقبرة ولا يكاد يسمع اي صوت في جواره  سوى نعيق البوم بين فينة والاخرى وعواء بعض الذئاب التي تحوم حول أرجاء المقبرة فقد اعتاد لطفي على هذه الأصوات وأصبح الامر بالنسبة إليه شيء عادي

فطوال سبعة سنوات مرت عليه لم يشاهد اي شيء غير طبيعي يحصل في المقبرة رغم ان الناس كانت تتعجب من صلابة قلبه وعدم خوفه لوحده في مكان مثل هذا فيجبهم هو عن تسألاتهم بانهم يخافون من الصمت وليس من المقابر

وما ان ينضج إبريق الشاي حتى يخرجه من النار ويفرغه في كوب الكبير ثم يتركه قليلا حتى يبرد وبعدها يلتفت الى مذياعه ويظل يقلب بين محطات حتى يكسر الصمت المخيم في الأجواء ويستمع الى محطات الاذاعة

وبعد منتصف الليل وبينما كان لطفي يحتسى كوب الشاي الاخضر في صمت ليتغلب عن النعاس فجأة نهض كلبه من مكانه وظل موجها انظاره باتجاه الباب وبعدها بدأ يكشر وينبح وكأنه أحس بشيء غير طبيعي في الخارج

لاحظ لطفي ذلك ولكنه لم يبالي فقد كان يعتقد بأن الكلب قد أحس بحركة حيوان اخر تحوم حول المقبرة او شيء من ذلك القبيل لكن الكلب بدأ ينبح بشدة ويتراجع إلى خلف وكأنه كان ينبه لطفي بان هناك شيء ما يقترب منه

بدأ لطفي يتأمل في تصرفات الكلب غير مدرك لما يريد ان ينبهه به وفجأة بدأ يسمع أصوات أقدام قادمة نحوه فأسرع وأمسك عصاه وقلبه يدق بشدة فاذا برجل ملثم يرتدي معطف أسود طويل يدخل عليه ويقف عند مدخل الغرفة فارتعب لطفي من منظر ذلك الشخص الملثم الذي دخل عليه فجأءة من دون سابق إنذار وبقي يتأمله وهو مرعوب من منظره المخيف

#حارس_المقيرة

بقلم الكاتب lehcen tetouni
من قصص حكايا العالم  الاخر

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق