مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #ينتهي_مال_الجدّين_وتبقى_صنعة_اليدين الجزء السادس والاخير

لمّا مثل جمال الدّين في حضرة الحاكم ،نظر بطرف عينه إلى مظاهر البذخ في مجلسه ،وكانت آنية الشّراب من الذّهب ،والجواري يلبسن الحرير ويحملن عقود اللؤلؤ أمّا التّاج الذي على رأسه فكان مرصّعا بالياقوت والزّمرد ، والألماس ،أشار الحاكم للتّاجر أن يجلس بجواره، وسأله عن إسمه ،وبلده ،فأجابه : إسمي حسن الصّائغي، جئت من مصر، وأنا في خدمة مولاي السّلطان !!! هزّ إسماعيل رأسه ،وقال :لا شك أنك عارف بأنّ كل شيئ في هذه البلاد يتم بإذني ،ولكي أتركك تكسب ،لا بدّ أن تعطي لمولاك ما يرضيه !!! أجاب الأمير :أدام الله فضلك ، لقد كنت أنوي المجيئ لكن إحترت فيما أحمله معي، وقد نصحني رفاقي من التّجار بصندوق من الأحجار الكريمة ،ففرك الحاكم يديه، وقال :نعم هذا ما أحبّه والآن أرني ما أحضرته إليّ يا معلّم حسن !!!
فصفّق الأمير بيديه ، وجاء خادم صغير يحمل صندوقا من الخشب المطعّم بالفضّة والعاج ،ثمّ فتحه أمام الحاكم ، فخرج منه بريق يخطف الأبصار، فاندهش إسماعيل لصفاء الجواهر، وأخذ يقلّبها بين يديه ،ثمّ إستأذن الأمير منه في الإنصراف لقضاء بعض شؤونه، لكن إسماعيل قال له :على مهلك يا رجل !!! أنت ضيفي ،ولن تخرج حتى تتعشّى معي هذه الليلة ،وفي إنتظار ذلك ستحضر القيان للغناء وترقص لنا الجواري ،أحسّ جمال الدين أنّه في ورطة ،وقريبا سيدبّ السّم في جسد إسماعيل، وتتجّه له شكوك أهل القصر ،لكنّه قال : الحمد لله أنّي فكّرت في حمل صندوق آخر معي . ولمّا إجتمع الوزراء والأمراء في مجلس السّلطان ،ودارت أقداح الشّراب ،نهض من مقعده، وألقى الجواهر ،فتناثرت على الأرض، فتسارع الجميع لالتقاطها ،وأوّلهم الحاكم الطمّاع الذي تدافع مع الجواري والخدم .
و فجأة توقّف وقد يبست أطرافه ،وصار عاجزا عن الحركة أو النطق ،ففزع الحاضرون، وبدأوا بالهرب .كان الأمير ينظر لما يحصل ،ثمّ سوّى عمامته على رأسه ،وخرج دون أن يكلّمه أحد .وسار في الأزقة ،ولمّا وصل إلى الزّاوية، صاح بأعلى صوته : لقد تسمّم الملك ،وهو هالك لا محالة !!! سمع الناس بالخبر، فجروا إلى القصر ،والأمير على رأسهم ،فوجدوا الفوضى تعم المكان ،وقد إنتشر النّهب والسّلب ،والجنود خارجون بالتّحف ،والأشياء الثّمينة ،فالتفت جمال الدين لوزيره مسعود ،و رجال أبيه ،وقال لهم : أهل القصر على دين الملك، وما إتّبعه إلا الطمّاعون مثله ،ولذلك عجّل الله بسقوط ذلك الظالم ، ومن معه دون أن تسيل قطرة دم واحدة ،ثمّ دخل الأمير إلى قاعة العرش ،ووجد إسماعيل ملقى على الأرض ،وقد تركه أعوانه ،فأمر بإخراج النّاس ،وإغلاق الأبواب ،رفع أعلام أبيه على القصر .
ثمّ أرسل المنادي في الأسواق يصيح أنّ إبن السّلطان محمّد قد رجع ، و كلّ من تعرّض للظّلم يأتي ليعطيه حقّه ،ولم تمرّ بضعة أياّم حتى إستتبّ له الأمر، وفرحت به الرّعيّة ،وبعد ذلك نزل للسّوق، وذهب لرباب ،وقال لها: لولا صنعة الصّياغة لما إسترجعت حكمي ،وبفضل حبّنا نقلت لك رسالة أمام أعين جواسيس إسماعيل .رحمك الله يا أبي !!! وصدق من قال: ينتهي مال الجدّين وتبقى صنعة اليدين ،ثمّ خطبها من أبيها، وعيّنه رئيس الصّاغة في المملكة ،وتزوّج الأمير من حبيبته بعد أن تفارقا طويلا ،وحضر سلطان مصر عرسه ،وهنّأه على إسترجاع عرش أبيه ،وبعد سنة رزقت رباب ولدا بهيّ الطلعة ،فوضع له أبوه قلادة من الذّهب في رقبته ،وقال له :لمّا تكبر ستتعلّم صنعة أبيك وأمّك فوالله لا تنفعك لا الفروسيّة ،ولا الحكم لمّا يضيق بك الحال .

من قصص حكايا العالم. الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق