بارعات العالم العربيذوو الاحتياجات الخاصةمقالات
أعلم ما الصلة التي تجمعني بالأدب التراجيدي،
المبدعة شهد دكناش
لا أعلم ما الصلة التي تجمعني بالأدب التراجيدي،
فيه شيءٌ من عالم الخيال السّاحر، حزنٌ لذيذ أوربما مُحاكاةٌ عاطفيّة مرتدَة لحقائق مُرّة أرسلتها على ظهر غيمةٍ ذاتَ مساء ،
يدُهشني أنّ هذا العالم لا ينام ، خالٍ من الكليشيهات مُثقَلٌ بالوصف ، وكأنّما للأوجاع أشكالٌ عديدة لا يساوي أحدها الآخر وإن تحمّلا وجه الشبه.
يحيك الكاتب حروفه بألوانٍ شتوية عديدة،
له الحقّ أن يعيد الصياغة كما فعل فاروق جويدة حين كتب بعد عامٍ بخيبة
“قلت يومًا أنَ في عينيك شيء لا يخون
يومها صدقتُ نفسي
لم أكن أعرف شيئًا
في سراديب العُيون
كان في عينيك شيء لا يخون
لست أدري كيف خان”
خيبات بصورة لحنية ، تحمل كمًا من التناقضات الشاعرية التي عجزنا عن فهمها، أو أبينا أن نتجرّعها ذلك لأننا علمنا مُسبقًا أنّ لها طعمًا يلسع،
ولكنّ الكتابة تنقذنا دومًا ، تجد لنا مكانًا، في حُلكة الليلِ وبرد الشتاء تدثّرنا وتربت على صدرنا المُتعب،
تزيح ألم الليالي الطِوال ، تحرر ما تشبّثنا به عقدًا وتُعيد رتق الجرح من جديد..
في هذه المساءات تحديدًا يُولد النّجم، تخرجُ الإصدارات الورقيّة إلى الضّوء ،
يخرج الألم عن أطره المحليّة ويصبح بؤرةً عالمية يتشاطرها القُراء صباحَ مساء،
فنرتعشُ كلّما قلبنا صفحات كتاب the lovely bones مدركين أن بعضَ المعاناة تخلق مستوياتٍ متقدّمة من التراجيديا ، تخترقُ حدودَ الألم، عوالم مُظلمة تفوح منها رائحة الموت،
أليس سيبولد لم تنجح أن تنقل احدى التجارُب الوحشيّة
التي ارادت ان تحررها بعد أعوامٍ من الخوف فقط، بل وابتدعت مفاهيم جديدة لتقبل فكرة الرحيل الأبدي، أطنبت بالشرح عن أبعاد الجنّة التي تنتظر ضحايا الموت المروّع، وكانّما أرادت رؤية صورة الموت بعين الخُلود، لكنّها لم تتجنب الكتابة عن اللحظة المفصلية ما بين الموت والحياة وتقبُل فكرة الرّحيل أصلاً
، كما وخطّت جي كي رولينچ رواياتها العظيمة، التي تُستهل وتنتهي بهالة الحُب الأبويّة التي تنتصر على أقوى تعويذات عالم السحرة وأكثرها ظُلمةً.
كلّ هذه الكتابات المُرهفة، تعيدني الى وصفِ كافكا حين قال “الكتابة شكلٌ من أشكال الصلاة”
حين نعجز عن بثّ دواخلنا ، نهرع إليها عدوًا ، نعلمُ سلفًا أنّ أقلامنا تشير إلى المحراب ،
نبكي بحرقة طفلٍ حين نكتب ، نُواجه وحوشنا الكاسرة مساءً (في أغلب الأحيان) ونُصرُّ على تشويه الصفحات الخالية بحبر الألم حتى الصّباح،
يترعرع الخوفُ فينا ويكبر، منتظرًا لحظات “الصّلاة” في الهزيع، إمّا أن نقتله أو يقتلنا،
لكن العيشَ معًا ليس بخيارٍ أبدًا.