مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #ينتهي_مال_الجدّين_وتبقى_صنعة_اليدين الجزء الخامس

نزل الأمير جمال الدين في خان صغير ،وأشاع أنّه تاجر مجوهرات وبدأ ينزل إلى الأسواق يبيع ويشتري ،و صار الناس يعرفونه ، وفي أحد الأيّام إقترب من دكّان أبو رباب ، فرأى رجلين واقفين وهما يتحادثان، لكن أعينهما تراقبان الشيخ وإبنته ،فصحّ ما توقّعه من أنّ إسماعيل يبحث عنه ،وينتظر أن يجيئ لرؤية حبيبته ليقبض عليه، والمؤكّد أن هناك كثيرا من رجاله المخلصين حول الدّكان ،وفجأة رأى بائع حلوى صغير يمرّ أمامه بعربته ،فدسّ خاتما ذهبيّا في قطعة حلوى كبيرة ،وقال للولد :إذا بعتها لتلك الفتاة ،سأمنحك دينارا كاملا، أجابه :مقابل هذا الثمن أبيعه حتى للجنّ الأحمر!!! ضحك جمال الدين، ولوّح له بدينار ذهبي ،فسار، البائع لرباب ،وصار يغنّي ،ويمدح بضاعته ،وكانت الحلوى محشوّة باللوز فاشتهتها البنت، واشترت تلك القطعة بربع درهم ،وجلست لتأكل.
رجع الولد وهو مزهوّ بنفسه ،فمدّ يده ،وأخذ الدّينار، وقال للأمير :ما رأيك أن تذوق من الحلوى فهي طيّبة المذاق يا سيدي !!! ردّ عليه : أنت بائع حاذق ،ضع لي ثلاثة قطع في قرطاس ،ثمّ قال له :إرجع غدا لتلك البنت ستبعث لي رسالة ، وأنا أنتظرك في مدخل السّوق أين يوجد القوس !!! ،بعد ذلك إنصرف الأمير دون أن يلتفت حوله .أمّا رباب فحين قضمت الحلوى أحسّت بشيئ صلب في فمها ،وحين أخرجته،رأت خاتما ذهبيّا فقلّبته ،ووجدت نقشا صغيرا فصاحت بفرح ،وقالت :كنت متأكّدة أنّه من جمال الدين فقد كناّ نكتب لبعضنا أشعار الحبّ وسط الذّهب ،وقرأت االببتين فإذا فيها :
أين أجد غائبا
شدّ أزر أبي وأزرى
لقد حان الوقت
وحزمت والله أمري
فعلمت أنّه يسألها عن مكان الوزير مسعود ، ومن بقي معه من أعوان أبيه ،فأخذت الخاتم، ونقشت عليه أبيات من الشّعر، جاء فيها :
إختفى الطائر
مكانه لا يخطر على بال
لكنّك تجده أمامك
وليس له جواب
لكن له لدى النّاس سؤال
ثمّ لفّت الخاتم في منديل ومعه درهم ،ولمّا مرّ البائع أوقفته ،طلبت قرطاس حلوى لها ولأبيها، ثم قالت له المال في المنديل لكن لا تنس عابر السّبيل ،كان الرجلان كعادتهم ينظران لرباب ،فقال أحدهما :ما ألطف منطقها، لقد أحسن أبوها تأديبها ،ثمّ سار الولد بعربته حتى وصل إلى مدخل السّوق ،فوجد جمال الدّين ،وقد إشتدت لهفته ،فقال له : لقد أرجعت تلك الفتاة هديّتك ،وأنا آسف من أجلك ،فهل ستدفع لي كما وعدت ؟ فرمى له صرّة بالدّنانير ،وشكره على معروفه ،وجلس الأمير في ركن ،ولمّا قرأ الأبيات لم يفهم القصد منها ،وفكّر ،لكنه لم يجد الحلّ ،واغتمّ لذلك.ثم مشى في الطريق ،وهو شارد الذّهن .
فجأة إقترب منه متسوّل ،وسأله صدقة ،وحين رأى يد الرّجل ممدودة أمامه ،ضرب جبينه بكفّه ،وقال :لقد فهمت الآن معنى الأبيات، وقصّة الذي يسأل وليس له جواب ،ثم أعطى الفقير عشرة دنانير وأخبره أنه بفضله حلّ اللغز فأخذ الرّجل المال وهو يتعجّب ،ثمّ سار الأمير إلى زاوية سيدي الشّاذلي وهي ممتلئة بالفقراء والدّراويش ،وبدأ يجول بنظره في الجالسين ،
فحدّق فيه الفتى بدهشة ،وسأله :هل هذا أنت يا وزير مسعود ؟ أجابه : نعم يا مولاي !!! قال الأمير :هل رجالنا مستعدّون ؟ فلقد حان الأوان لاسترجاع حقّنا !!! أجاب الوزير : الشّعب ناقم على الحاكم إسماعيل الذي سامه ألوان العذاب ،وسينضمّ إلينا في المعركة .
قال الأمير: إنتظروا إذن إشارة منّي،مرت الأيام ،وسمع إسماعيل بتاجر الجواهر الغريب ،وما معه من أشياء نفيسة ،فأرسل في طلبه ،وفي الغد جاء الأمير ،وقد لبس عمامة كبيرة وملابس غالية ،وأطال لحيته ،حتى أمّه صارت لا تعرفه …

يتبع الحلقة 6 والأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق