مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #ينتهي_مال_الجدّين_وتبقى_صنعة_اليدين الجزء الثالث
رجع اليهودي إلى دكّانه وقد إصفرّ لونه ،ولمّا وصل إرتمى على أقرب كرسي ،ومسح عرقه ،رآه الولد ،فسأله: إن شاء الله خير ،فحالك لا يعجب أحدا !!! فقال له : بنت الملك تريد سوارا آخر ،وأنا لا أعرف هذه الصّنعة ،وكما تعلم فالسلطان لا يسامح من يعصي أوامره ،وقد يقتلني، وتترمل إمرأتى !!!وبدأ في البكاء ،فقال الولد : أحظر لي أوقيّة من الألماس الصّافي، وسأصنعها لك في سبعة أيام ،ولها نفس الزّخارف ،ولن يفرّقها أحد عن السّوار الأصلي !!! لم يصدّق الشّيخ وقال له: خذ شهرا إذا أردت ،وإذا أعجبتني سأعطيك مكافئة سخيّة .ومرّت الأيّام ،والولد يبيت في الدّكان ،والشّيخ يحمل له طعامه، وهذه المرّة وضع له لحما ،ولبنا، وتحسّنت حال الأمير ،وأحسّ بالشّبع .
وفي نهاية اليوم السّابع كان السّوار جاهزا ،ولمّا رآه الشّيخ تعجب من دقّة صنعته ،فجرى به للقصر .فرح السلطان ، وقال له: لقد إشتريت السّوار الأوّل بخمسة آلاف دينار لكني سأزيدك ألفا لمهارتك ،وسآمر بتعليق نيشان على صدرك ،وبإثنين من العبيد لخدمتك فرجع اليهودي إلى داره وقد أحسّ بالغرور ،فاشترى بستان نخيل ،وأصبح يركب حصانا من كرام الخيل ،لكنه لم يعط الفتى درهما واحدا ،وقال في نفسه: يكفيه قطعة اللحم التي أضعها في طعامه ،والدّيناران الذان أدفعهما له كلّ شهر .
لكن الملكة لمّا رأت السّوارين في يد إبنتها قالت للسلطان : وأنا يا مولاي ،ألا أستحق هدية منك ؟ ضحك، وقال : غدا آخذك إلى السّوق، وإختاري ما تريدين من عطور الهند ،وحرير سمرقند !!! أجابته :ما أشتهيه هو سوارين من الذّهب والألماس مثل اللذان عند إبنتك ،فقال لها :أنت غالية عندي ،والطلب رخيص ،وفي الغد أمر بإحضار اليهودي ،الذي دخل وهو رافع رأسه ،ولمّا عرف طلب الملك، قال له سأصنع لمولاتي شيئا لم تره العين من قبل !!! إشتغل الولد بكل جهده، وأضنى نفسه ،وبعد أسبوعين أخذت الملك هديّتها ،وكانت شيئا عجبا يخطف بريقها الأبصار ،وهذه المرّة،دفع له الملك ضعف ثمن السّوار ،وعيّنه قيّم القصر،وأصبح اليهودي بين عشية وضحاها من أعيان المملكة ،وعظمت تجارته وأملاكه .
في الليل كانت الملكة ممدّدة على الفراش بجانب زوجها تقلّب أحد السّوارين وهي معجبة بالزّخارف التي عليه ،وفجأة رأت في أحد الأركان أبيات من الشّعر ،ولما قربته من عينيها وجدت مكتوبا :
آه لو علمت يا زمان
ما كان من حالي
وما أصاب الفتى
ألم يكفيك عن رباب بعدي
فزدت إلى البعد فقرا
لكن ما فتر العزم ولا الهوى
…
خرجت اطلب رزقي
ما شبعت ولا الرّزق آتى
ولا القلب راق
ولا شوق الحبيب نسى
ينتهي المال والجاه يوما
لكن الصّنعة رزق لمن سعى
…
كم جاهلا في الثّريا أكرمتموه
و عالما بين الجدران
نسيتموه ولا أحد إليه أتى
ناشدتك الله مولاتي
إرحمي عزيز قوم
ذرف دمعا بين يديك وبكى
فتعجّبت الملكة من جمال هذا الشعر ،وإمتلأت عيناها بالدموع ،وقالت لزوجها ،ألم تدفع لذلك الرّجل ما يكفيه ليشتكي إليّ بهذه الأبيات ؟ ردّ الملك : ويحه، لقد لقد أعطيته من المال والجاه ما لم يأخذه غيره ،دعني أقرأ هذا الشّعر !!! ولما أتمّه غضب ،وقال : سآتي به غدا ،وإن لم يعطني تفسيرا يقبله عقلى سأضرب عنقه وسط المدينة، ليكون عبرة لمن يعتبر ،في الصّباح جاء اليهودي كعادته مزهوا بنفسه ،ولمّا مثل في حضرة الملك، رأى الشّرر يتطاير من عينيه، فأوجس خيفة منه .صاح الملك في وجه ه: ما هذا الذي نقشته على السّوار ؟ ألم تأخذ حقك وزيادة أيّها اللعين ؟
شعر الشّيخ بركبتيه ترتجفان ،وقال :عن أي شيئ يتحدّث مولاي ؟ أجابه: أبيات الشّعر ،هل تريد أن أذكّرك بها ؟ إبتلع اليهودي ريقه ،وأحسّ أنّه في مصيبة ،فقرّر أن يعترف ،وقال: لي غلام يا مولاي يساعدني في عملي ،قد يكون هو من نقشها ،،لا يجب أن تحاسبه ،فهو لا يزال طفلا، ولا يعرف آداب الملوك والسلاطين !!! لمّا أرجع سأعاقبه عقابا شديدا كانت الملكة تسمع، وقالت :لو ضربته، فالويل لك !!! أحظره إلى هنا لأراه ،فلا يكتب هذا الشّعر سوى أولاد الأعيان ،وسيرافقك إثنين من الحرّاس …
…
يتبع الحلقة 4
من قصص حكايا العآلم الآخر