مكتبة الأدب العربي و العالمي
الاخوة الخمسه الجزء الثاني
مرت السنين وكبر الصبية الصغار وأصبحوا شباناً طوال القامة وسيمين، من دون أن يكونوا قد اجتازوا ولو لمرة واحدة التلال الصخرية العالية التي تحيط بواديهم، أو شاهدوا العالم الكبير الذي يقبع في الخارج.
لكن الآن وقد أصبحوا رجالاً فإن رغبة قوية في داخلهم تدفعهم لمغادرة البيت القديم ليأخذوا دورهم في الحياة بين بقية الرجال، وهكذا منحهم العجوزان مباركتهما وطلبا منهم
أن يستمروا بمساندة بعضهم بعض كما كانوا دائماً وبهذا سيقدرون على تحقيق كل ما يريدونه.
وهكذا غادر الشبان الخمسة، في البداية سلكوا الطريق المنحدرة عبر الجبال الشاهقة ثم أخذوا يبتعدون تدريجياً تاركين التلة خلفهم .
توقفوا مرة ليستريحوا في إحدى المزارع، ومرة أخرى في قرية صغيرة لكنهم لم يجدوا عملاً في أي مكان، فقد قبل المزارع بكل سرور أن يحرس الحارس وأبو العيون قطعانه، لكن لم يكن
لديه عمل لكل من ذي القبضة الحديدية ومتسلق الجبال، ولما وجد هذان الاثنان عملاً مع رجال القرية في صيد الأسماك وطيور البحر، مرة أخرى لم يكن هناك عمل للثلاثة البقية .
ومع ذلك لم تضعف عزيمتهم، فإن لهم قلوباً شجاعة وأجساداً قوية وسيجدون الحظ الجيد الذي يسعون وراءه في مكان آخر .
وفي الحال تابعوا طريقهم فتسلقوا الجبال الشاهقة واجتازوا الأنهر الغزيرة حتى وصلوا إلى غابة صنوبر مظلمة مترامية الأطراف مليئة بنباتات العليق المتشابكة وشجيرات السرخس الطويلة.
فتح ذو القبضة الحديدية الطريق أمامهم فوجدوا أنفسهم أخيراً في سهل فسيح، كان الوقت عند الغروب وكانت الشمس تسكب فيضاناً من الألوان، القرمزي والذهبي والأرجواني على المنظر أمامهم وأضاءت أشعتها الأبراج العالية والجدران الرمادية
في المدينة الكبيرة وحولت مياه النهر الواسع المتدفق الذي يطوقها إلى ذهب مصهور.
هناك وقف الإخوة مبهورين إلى أن صاح الحارس أخيراً:
«لابد من أنها مدينة الملك» أجاب أبو العيون: «أجل انظر هناك إن الراية الملكية ترفرف فوق برج القصر».
اجتازوا السهل في الحال وكان الظلام قد بدأ يهبط عندما وصلوا إلى الجسر المتحرك الكبير فوق النهر فتوجهوا إلى القصر برفقة أحد الحراس.
استقبلهم الملك واستمع إلى رغبتهم بالعمل في خدمته، وبما أنهم شبان رائعون بارعون فقد أعجب الملك بهم وهم واقفون أمامه بقاماتهم الفارعة وعيونهم الزرقاء البراقة وشعورهم
الشقراء المجعدة.
قال لهم الملك إنه يستطيع أن يجد عملاً لهم خمستهم إن هم ظلوا في القصر خلال الشتاء وقاموا بحماية بناته عشية عيد الميلاد. ثم أضاف قائلا: «لكن لا تقرروا البقاء قبل أن تعرفوا
طبيعة المهمة التي ستوكل إليكم، فلقد أقسمت على أن الشخص الذي سيفشل في هذه المهمة سيخسر حياته، لكن بما أنكم خمسة أشقاء وتعملون معاً فستكونون أكثر حرصاً من غيركم».
وتابع يقول: «لقد كان لي خمس بنات، لكن للأسف عشية عيد الميلاد ما قبل الماضي اختفت ابنتي إلما ذات الشعر الدهبي بشكل غريب في منتصف الليل، بحثنا في كل مكان ولم نجد لها أثراً، وعشية عيد الميلاد الماضي وضعنا غرفة الأميرات تحت المراقبة الشديدة ولم يكن مسموحاً للغرباء بالاقتراب، فقط عدد من الخدم
المخلصين كانوا متواجدين بالقرب منهن، لكن عندما جاء الصباح كانت ابنتي الثانية إيرين قد اختفت ولم يعثر عليها في أي مكان ولم تكن هناك آثار أقدام للخاطف عند نافذة غرفة نومها».
تابع الملك: «صحيح أني أطلقت قسماً، وسأبقى عليه ولكني سأقدم مكافأة أيضاً، فالشخص الذي سيدافع عنهن الأخت الكبرى بينهن والتي بإخلاص هذه السنة هذه السنة سيتزوج كانت ستختفي لولا حمايته وسيكون بمثابة ابن لي. لذلك عليكم أن تختاروا أيها الرجال فالمسألة مسألة موت أو شرف » .
صاح الأخوة بصوت واحد: «سوف نبقى ونحمي
الأميرات»، ثم أضاف الحارس: «سوف نستخدم كل ما نملك
من قدرات في هذه المهمة، فلا يمكن لأي سارق أن يفلت من أبي العيون ثم سيمسكه ذو القبضة الحديدية حتى يصل إليه متسلق الجبال والسيف القاطع»، ثم تقدم إلى الأمام قائلاً باعتزاز : «وأنا
سأكون من يخسر حياته إذا أخفقنا».
وهكذا مكثوا في القصر وأصبحوا مقربين من الملك لدرجة أنه ندم لفرضه ذلك الحكم بالموت على الشخص الذي سيفشل في الدفاع عن بناته، لذلك قرر أن يفعل ما بوسعه لينقذهم، فأمر
ببناء برج عظيم في القصر له جدران سميكة ونوافذ مرتفعة جداً لتنام فيه الأميرات ليلة الميلاد .