مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #الرّجل الذي رزقه دينار (جزء 2 )

في فجر اليوم الرابع جاء الشيخ لخليفة ،وقال له : لقد إنتهى عملك والآن سأدفع لك أجرتك ثم قاده إلى حجرة مليئة بالذهب ،وطلب منه أن يأخذ صاعا من الذهب على كل يوم عمله، لم يصدق مختار وقال له أنا لا أستحق كل ذلك ،فلم أعمل سوى ثلاثة أيام !!! قال الشيخ : وهل نسيت إخلاصك ؟ لقد نفّذت كلّ ما طلبته منك وزيادة ،لقد أطعمت الطائر قوتك، فأعطيته المحبّة ،ولكي يكبر ما حولنا من نبات وحيوان فإنّ الغذاء لا يكفي إذا لم يشعر بالحبّ والإهتمام .لم يجد مختار ما يقوله ،فالشّيخ محقّ في كلامه ثمّ أخذ مكيالا وكال ثلاثة صيعان من الذّهب الخالص،، وضعها في كيس ورماها على ظهره ،ثمّ خرج من دار الشّيخ ،والدّنيا لا تسعه من الفرحة .
فأخذ يمشي في الأزقّة ،وهو يفكّر فيما سيفعله بكلّ هذا المال ،فقال في نفسه سأشتري دارا هنا وأتزوج جارية صغيرة ؟ وأنسى الماضي ،وماذا ربحت من حياتي ؟ حمّال رزقه دينار !!! ثم رجع له شاهد العقل وقال: ويحك يا مختار !!! وإمرأتك التي تحملت فقرك كيف يمكن أن تتركها ،والصّغار الذين يتمنّون أن يشبعوا ،ماذا ستقول لله يوم القيامة ؟ ثم إستقرّ رأيه أن يرجع إلى قريته ،ويصلح داره ،ويفتتح له دكّانا في السّوق لبيع الأقمشة ،فليس أحسن للمرء أن يعيش في أرضه وبين أهله ..
شقّ خليفة البرور والبوادي ،وهو يئنّ من ثقل الكيس ، واشتدّ عليه الحرّ ،وجفّ لسانه من العطش، والتفت حوله لعلّه يرى بئرا أو حتى شجرة يستظلّ تحتها، لكن لم تكن هناك سوى الرّمال ،فتحامل على نفسه ومشى قليلا حتى تعب ،ولم يعد يقدر على الحركة ،فوضع الكيس على الأرض ،وجلس فوقه ثمّ أخرج منديلا نشّف به عرقه ،وفجأة رأى من بعيد رجلا يبيع الماء ،وعلى ظهره قربة فناداه بأعلى صوته ،فقدم ناحيته ،وسأله عن حاجته ،فردّ عليه: شربة ماء رحمك الله !!! قال البائع :الشّربة بصاع ذهب ،تعجّب مختار ،وصاح :ويحك يا رجل ،صاع كامل لا قطعة ولا إثنين !!! نظر إليه البائع في ضيق ،وردّ عليه : ذلك الثّمن الذي أبيع به ،وهمّ بالإنصراف ،لكنّ خليفة قال له إنتظر ،سأدفع لك وأمري لله .
شرب الحمّال حتى إرتوى ،وأكمل طريقه إلى أن حلّ الظلام ،فنام في المكان الذي وصل إليه ،وفي الصّباح نهض ونفض عنه الرّمل ،لكنّه بدأ يحسّ بالجوع، فقد نفذ التّمر الذي حمله معه، ونظر حوله لعلّه يجد شيئا على الأرض يأكله ،وسيرضى حتى بقليل من الأعشاب ،لكن تلك الأرض صحراويّة ليس فيها نبات ولا حيوان ،بيننا هو حائر رأى رجلا ينادي ويقول :فطائر يا أحباب الله !!! بالعسل أو السّكر،فناداه ،وقال له أعطيني فطيرة يرحمك الله ،قال البائع الفطيرة بصاع ذهب!!! صاح خليفة: ما أعجب هذه البلاد، الشّربة بصاع ذهب، وأيضا الفطيرة ،هل تعتقد أنّني أبيض في الذّهب ؟ أفضّل أن أموت من الجوع على أن أدفع لك المال الذي تعبت في جمعه ،قال له البائع :هذا شأنك !!!
ثمّ مشى في حال سبيله ،لكنّ خليفة جرى وراءه وقال وهو يلهث :حسنا يا رجل هذا هو ذهبك وهات الفطيرة ،فمدّ له البائع كلّ الطبق ،وقال له : كلّ ما فيه حلال عليك ،جلس مختار وأكل واحدة ،وجعل البقية زادا للطريق ،ومشى أيّاما حتى إقترب من بلاده ،وقال في نفسه :لم يبق لي سوى صاع واحد من الذّهب ،وهذا يكفيني !!! ساذهب أولا للسّوق، فلا شك أنّهم يعانون من الجوع،وأنا لم أترك لهم شيئا في الدّار !!! لكن ماذا سأشتري لإمرأتي وبناتي ؟ أعرف أنهنّ يشتهين لحما أو سمكا ،لذلك سآخذ فخذ خروف وكبدة ،وقلب لكي نطبخهم قلاية، وكذلك خبز شعير،و زيتون ،ولن أنسى قرطاس الحلوى ،والشّامية …

يتبع الحلقة الثالثة والأخيرة

 

من قصص حكايا ألعالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق