مقالات

صندوق الفِرْجِة ” ل ” نخلة ضومط ” الفنان مارسيل خليفة

Lebanese musician Marcel Khalife sings and plays the oud at the World Music Institute’s ‘The Cultural World of Islam: Marcel Khalife & Al Mayadine Ensemble’ concert at Town Hall, New York, New York, November 13, 2004. (Photo by Jack Vartoogian/Getty Images)

عهد المِضِي جِيتْ اتذَكَرْ / وعهد الطفولة عَنْ عا بالي / ايام كان اسمَر السكَّر / بيومها يبقى القِرش غالي / وشو دَارجي صندوق الفِرْجِي / تبقى الولاد مجمعّة فرجة / الفِرجِة بقرش ومين مسترجي / يطلب قرش والمسألِة حِرْجِي / وصِعبي علينا ولاد هالدَرجة / ما في يسر ومعقدّي الحالِة / صوت المجَلِّخْ كنت حِبّو كتير / رِجَّال أسمَر شَبْهو بالزِيرْ / يبقى معو دواليب وزمامير / وفِرْخة طَوْزَة رابْخَة بَكّير / وعالقِنْ ما عَدْ لَحِّقْ مشَاوير / تا تبضلنا بيضا آخدها وطير / واشتري فيها دولاب زغير / بيومها شو طَحرِّت تطحير/ يمكن انا لو بِضِتْ أحلالي / تاني سنة عاود إجا الصندوق / العنتر وعبلة مشوّق كتير / انكسرت البيضا وطار رسمالي / مرّت الايام وما شعرنا / وصرنا رجال بيوت وكبرنا / رحنا برمنا كتير فرفرنا / وكل شي مِضت ايام وختيرنا / الصندوق بعدو مصوّر قبالي /
عاش ” نخلة ” وحيداً وابتكر عالمه في وحدته . كانت رجلاه لا ترتحان على الأرض ، كأنه يمشي على رؤوس أصابعه . يقفز قفزاً .
لا أتذكّر أحداً في الضيعة خارجاً عن المألوف أكثر منه : بحركاته وتحيّاته . ولم يكن يوفّر أحداً من تعليقاته اللاذعة .
كان ” نخلة ” خيّاطاً بارعاً نجتمع في مشغله بالساحة الذي كان يتألف من غرفة واحدة يقسمها حاجز خشبيّ لقياس البدلات .
وكان يغني ويلحن ويرتجل الزجل . كنت أحس بمتعة طاغية عندما كنت أنوّط الحانه . غير أن جسامة عدو الالحان عنده وتغييرها بين لحظة ولحظة يضعضعني . وبالكاد أن أنهي من كتابة اللحن حتى يكون قد جاء بآخر .
فصّل نخلة ” الله ” على قياسه كما كان يفصّل بدلات زبائنه .
وكانت سمعته عكرة بين النساء اللواتي يذهبن نهار الأحد الى الكنيسة . وكنّ اذا التقين بنخلة آتياً بعد سهرة عرمرميّة ليحضر الذبيحة الالهيّة . كنّ ينتقلن الى الرصيف الآخر كي لا يصطدمن ب ” صوفيّ مخمور ” إلاّ إمرأة واحدة كان يميزها بتحيته الحارة وكانت الوحيدة التي تمد له يدها البيضاء الطريّة . لم يكن يصافحها وإنما يتناولها ويقربها من شفتيه ويقبلها على مهل ، ثمّ يأخذ نفساً طويلاً وينزلها على مهل ويتابع طريقه .
في الأعالي يقيم ونديم لنفسه في كون ضيّق لا يدخله الهواء حتى لا يفسد . كان خصباً ونزيهاً في شكّه وعربدته ويقينه المؤجّل .
” نخلة ” طريف بشكله بمشيته بثيابه بهمسه بتحيته بأحاديثه . يتكلّم مع الكل . يروي نوادر للكل . يغني للكل . يسكر مع الكل .
وكانت أجمل اللقاءات مع ” نخلة ” لحظة تنسدل خيوط الليل على هباء النهار . عندها يتدثّر الليل بالليل كي لا يفضح وضوح الأشياء ليطلع صوته الشجي ويبوح بما تبطّن . وكم من ليل طال كي يسرق من الصباح أوله . يأتي كل ليلة بلا تردّد ليسهر عندنا ولكي ترتفع الاغنية وينبلج الصباح المسيّج بالحب . يأتي في غفلة من الوقت ليحرق جدار الصمت بهمس بَرِّي.
كان من جيل والدي ، إلاّ أنه احتفظ على الدوام بصداقة مع الوَلَدْ الصغير الأخرق الذي كنته والذي لم تكن تسعه الدنيا .
لا أعرف لماذا شعرت وانا اكتب هذا المساء وكأن صوتاً قديماً في داخلي يعلو . يذوب ثلج الوقت ويعبر النور الى افق نراه في دواخلنا .
رحل نخلة من زمان وترك لنا حبّه في أشيائه وضحكاته وكلماته وألحانه . ترك صمت سكونه بكثير من الضجيج الذي لا يُسمع لكن يُحَّسْ .
ولا يستطيع أحد أن ينكر ولليوم قفشاته الحلوة في لوعة : صندوق الفرجة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق