ثقافه وفكر حر

الداي حسين سلم البلاد !

بعد ان وقع على معاهدة الإستسلام ، غادر “الداي حسين”حاملاً معه ثروته و أمواله رفقة جميع افراد عائلته و حاشيته مدينة الجزائر مع غروب يوم 15 جويلية 1830 على متن سفينة فرنسية تدعى “جان دارك”-“Jeanne Darc” كان قد جهزها له قائد الأسطول الفرنسي “دي بيري” ، حيث توجه إلى “نابولي” أولاً ثم إلى “الإسكندرية” ، و برحيله إنتهى عهد الإيالة الجزائرية الذي دام أكثر من ثلاثة قرون ليجد الشعب الجزائري نفسه وحيدا دون حكومة في مواجهة أكبر قوة إستعمارية ..
بهذا المشهد السوداوي تنتهي علاقة الداي حسين باشا مع دولة الجزائر التي حكمها لمدة 12سنة ، حسب كتب التاريخ المدرسي .
لماذا سافر إلى نابولي و كم لبث هناك وما الدافع وراء مغادرته إلى الإسكندرية ، هذه الأسئلة لا تجيب عنها المناهج المدرسية ، لأنها تزيل الصورة النمطية التي غرسوها في المخيال الشعبي عن “الداي حسين باشا” و الأتراك الخونة الذين قدموا الجزائر للفرنسيين على طبق من ذهب ثم ذهبوا بما نهبوا من أموال و كنوز ..
بعض هذه الأسئلة المدفونة في كتب التاريخ يجيب عنها المؤرخ المجاهد “أحمد توفيق المدني” في كتابه “الجزائر” : …
“ولا بأس أن نذكر هنا كلمة عن “حسين باشا” بعد خضوعه للمقادير في 5 جويلية 1830، فانه قد حمل على مركب فرنسي صحبة حريمه وخواصه ، فكانوا 120 شخصا و أختار السفر إلى نابولي الإيطالية فوضعه المركب الحربي فيها ، وأخذ يهيئ أسباب رجوعه إلى الجزائر ، و كانت المراسلات مستمرة بواسطة أحد الصالحين في ناحية بجاية إسمه “بابا الحاج” و لقد اشار “بابا الحاج” على “حسين باشا” بأن يتنقل إلى “ليفورن” الايطالية لأن لتجارها اليهود علاقة كبرى مع مرسى بجاية فتحسن بذلك المواصلات بين الفريقين و يمكن التفكير فى تجهيز حملة عسكرية لارجاع ملك الحاج حسين.

ذهب الحاج حسين اثر ذلك لباريس وطلب من الملك “لوي فيليب” أن يرجع إليه أملاكه المحجوزة بالجزائر نكثا للمعاهدة فرفض الملك الطلب ، ورجع حسين إلى “ليفورن”
وأخذ هنالك يهيئ مركبا يعود به للجزائر ويستأنف الحرب من جديد ،
كان الجزائريون على علم من محاولات حسين باشا ، و اخذوا يجمعون له الاعانات و اقترض حسين من يهود ليفورن وعلى رأسهم “بوشناق” مالا جزيلا ، استأجر به سفينة ، و وضع بها 4 مدافع ضخمة ، و 4 مدافع جبلية و 15000 كيلو من البارود ، و وضع المركب و من به تحت امرة “مصطفى بن محمد الجزائري” و استعد للسفر في أوت سنة 1832 ، قاصدا النزول بمرسى “ازراو” ، و في تلك الأثناء ضبط الفرنسيون في مرسى الجزائر مركبا جزائريا يحمل علما إيطاليا ، فوجدوا به عدة رسائل من “حسين باشا” لرؤساء المسلمين بارض الجزائر يحيطهم بها علما عن غايته وآماله ، و في الوقت نفسه خرجت من تونس ثلاث سفائن صغيرة مشحونة بالذخائر قاصدة سواحل الجزائر ؛ وكانت مراكب الفرنسيين تراقبها فأوقفتها ، و رأى البحارة الفرنسيون أن التونسيين القوا إلى البحر صندووقا فاسرعوا بانتشاله ، فإذا به يحوي رسائل من “حسين باشا” الى أعيان القطر الجزائري أيضا ، و بذلك إنكشفت المؤامرة و خابت المحاولة ، و طلبت فرنسا من حكومة “فلورنسا” أن تحجز السفينة فحجزتها .
لكن الحاج حسين لم ييأس و جهز سفينة ثانية فانكشف امرها ، ثم سفينة ثالثة و كان “مصطفى بن محمد” يبذل جهدا جبارا في ذلك السبيل ، لكن السفينة الثالثة حجزت أيضا ، فاءستأجر الحاج حسين و مصطفى سفينة رابعة ، وعزما على أن يرسلاها تحمل بضاعة لمختلف المراسي الجزائرية حتى يتعود الفرنسيون رؤياها فلا يتوقعون منها خطرا ، لكن تلك الحيلة لم تنجح أيضا على جواسيس فرنسا فاخفق المشروع . وردت الأموال التي جمعها الجزائريون للحاج حسين فلم تكن كافية لدفع ديون “بوشناق” الذي أنفق على تلك الحملات ، فرأى الحاج حسین وجوب انسحابه إلى أرض إسلامية يعمل فيها بأكثر حرية ، وطلب من سلطان المغرب السماح له بسكنى طنجة فرفض ، عندئذ طلب من فرنسا أن تنقله و عائلته إلى مصر فاطمأنت فرنسا بذلك لأن علاقاتها مع “محمد علي” كانت ودية للغاية القصوى ، و ما كاد الحاج حسين يطأ أرض مصر حتى نصحه “محمد علي” بالعدول عن كل محاولة لإسترجاع الجزائر ، فقضى بقية أيامه في الإسكندرية و مات سنة 1838 عن إثنين وسبعين عاما ، رحمه اللّه تعالى عليه ” …
قلتها و أعيدها تاريخيا الداي “حسين باشا” لم يكن خائن وليس جبان كما يحاول أحفاد المغطسين تصويره ، إنما كان كما وصفه نقيب أشراف الجزائر “الحاج أحمد الشريف الزهار” في مذكراته :
“و حسن باشا هذا ، وهو آخر ملوك الترك بالجزائر ، قد كان قوي النفس لا يتزعزع لعظائم الأمور ، و لا يتضعضع لنوائب الدهر ، و أما سيرته في أهل البلد ، وأهل مملكته فقد سار فيهم سيرة حسنة ، لم يسرها من تقدمه ، من لين الجانب ، وسهولة المجاب ، والعفو عن الجرائم والصفح عن الزلات ، و الكف عن الدماء و المحارم ، و رفع الظلامات ، وتفقد أحوال الضعفاء . وكان تقيا ، محبا للصالحين ولمن إنتسب اليهم ” …
رحمه اللّه و غفر له …

رحمة الله على آل بربروسا .

#صفحة_إيالة_الجزاير
#لازال_أثرهم_فينا
#على_خطى_رياس_البهجة
#محطة_عثمانيون
Muhammet Kuloğlu Paşa

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق