بارعات العالم العربيمكتبة الأدب العربي و العالمي
قرار! / روز اليوسف شعبان
لم تكن تحب الثرثرة ولا الكلام، كانت تجد نفسها بينهما، في هذه المساحة التي لا يدخلها أحد غيرها، كانت وحدَها مع ذاتها، تحاور الصمت في داخلها، فيغلبها فتستسلم له وتنصاع لإرادته.
حاولت ذات يوم أن تقاومه، دخلت غرفتها وقفت أمام مرآتها خاطبت نفسها قائلةً: لماذا تصمتين؟ لماذا لا تخبرين أحدا عما يحدث لك؟ رأت صورته في المرآة، يرفع سبابته محذّرًا ومهدّدًا: إياكِ أن تنبسي ببنت شفةٍ، وإلا….ثم وضع يده على عنقه .
التفتت وراءها لم تجده. كيف اختفى بهذه السرعة؟
يبدو أن المرآة متآمرةً معه، غطت مرآتها بستار أسود، وخرجت إلى مدرستها.
لم تعرف كيف وصلت غرفة التدريس، ولا كيف جلست، لكنها سمعت تصفيقا حادّا، أيقظها من شرودها. التفتت الى زملائها في الصف، كانوا يصفقون له!
طأطأت رأسها وتساءلت في نفسها: لماذا يصفقون له؟ هل استهواهم ذكاؤه وأجوبته الحاذقة؟
ليتهم يعرفونه على حقيقته!
زلقت دمعةٌ من عينيها، مسحتها بسرعةٍ ، وغاصت في صمتها.
تراءت صورته أمامها حين مدّ لها ذراعه، أمسكت بيده ومضيا يسيران معا حتى وصلا الى بيتٍ ناءٍ مهجور خارج البلدة.
لم تدر كيف حدث لها ما حدث، وماذا وضع لها في الشراب، لكنها وجدت نفسها تغيب عن وعيها وتستسلم له.
هكذا أصبحت فريسةً سهلة لأهوائه، يهددها بنشر صورها وهي عارية أمامه، فتستسلم للصمت.
لم تدر كيف ساقتها قدماها إلى ذلك الجبل الشاهق، وقفت على رأسه، وهمّت بإلقاء نفسها إلى قاع الوادي،لكن صورةَ والدها تراءت لها، وهو يحمل رسالةً من الجامعة، تعلن عن قبولها في كلية الهندسة.
أحجمت عن فعلتها، أجهشت بالبكاء بحرقةٍ؛ فتردّد صمت بكائها في الوادي، وبين الدموع رأت بناياتٍ جميلةً من تصميمها، وعماراتٍ غريبة البنيان، وبين هذه الصور بحثت عن هندسة من نوع آخر، هندسةٍ تعيد تصميم النفس، لتغدو جميلة محصّنة تقاوم الإعصار.
عادت أدراجها إلى بيتها، دخلت غرفتها، كسرت مرآتها، وخرجت لتحتفي برجوعها إلى الحياة!
روز اليوسف شعبان
2/7/23