بارعات العالم العربي
من كتابي” مواويل الحنين في عيون حطّين وسبرين”، قصة للفتيات والفتيان، إصدار دار الأسوار عكا، 2023.
روز اليوسف شعبان
دخلَ ماجد غرفتَهُ، وفتحَ حاسوبَه، دخلَ إلى الشّبكةِ العنكبوتيّةِ وبدأ بالبحثِ عن قريةِ حطّين المهجّرةِ.
على الشّاشةِ ظهرتْ له عدّةُ صورٍ لقريةِ حطّين. بدأَ يستعيدُ حكايةَ جدّهِ الّتي حكاها لهُ عن قريتِهِم، وكيفَ هُجِّرَ منها أهلُها، وهم يبكونَ على بيوتِهِم، وأراضيهِم وذكرياتِهِم التي استوطنتْ ذاكرَتَهُمْ ووجدانَهُم، فبكتِ النّساءُ بحُرقةٍ وذُعِرَ الأطفالُ والشيوخُ، حملَ كلُّ واحدٍ منهم عائلَتَهُ وغادرَ معظمُهُمُ الوطنَ قسرًا ليعيشوا لاجئينَ في الدّولِ المجاورةِ. أمّا جدُّهُ فقد كانَ محظوظًا، إذ كان يعملُ في قريةٍ أخرى وهكذا بقي هو وعائلتُهُ في البلادِ.
تذكّر َلحظاتِ المُتعةِ والفرحِ الّتي كان يقضيها مع جدِّهِ، تراءتْ لهُ صورةُ جدِّهِ في أيّامِهِ الأخيرةِ عندما اشتدَّ عليه المرضُ، فطلبَ أنْ يرى حطّينَ ويكحّلَ عينيهِ برؤيةِ أشجارِ الزّيتونِ التي زرعَها في أرضِهِ قبلَ أن يفارقَ الحياةَ.
وهناك، وقفَ الجدُّ أمامَ بقايا بيتهِ المهدومِ، تأمّلَهُ بحسرةٍ وبكى، ثمّ طلبَ أَخْذَهُ إلى كرمِ الزّيتونِ، التقطَ بِضعَ حبّاتٍ من الزّيتونِ وضعَها في جيبهِ وبكى بحرقةٍ. ما زالتْ دموعُ جدِّهِ المنسكبةِ على وجنتيهِ تتراءى في مخيّلتِه؛ اغرورقتْ عيناهُ بالدموعِ وبكى بصمتٍ.
التقطَ صورةً لمعالمِ القريةِ المهجّرةِ، ولكرومِ الزّيتونِ الّتي تشهدُ على زارعيها، ووضعَها في صفحتهِ في (الانستغرام)، وأضافَ عليها جملةً” حطّينُ في القلبِ”.
توالتْ إشاراتُ الإعجابِ على صفحتِهِ، وازدادَ عددُ متابعي صفحتِهِ ازديادًا ملحوظًا، وقدِ انتبهَ ماجد أنَّ قسمًا كبيرًا من المعقّبينَ هم من سكّانِ حطّين المهجّرينَ في لبنانَ وسوريا وألمانيا وغيرها من البلادِ التي حضنتْهُم.
في اليومِ التّالي وضعَ ماجد صورةً أخرى لحطّين، اختارَ صورةَ بقايا المئذنةِ اليتيمةِ المنتصبةِ بجانبِ بقايا المسجدِ المهدومِ، وأضافَ جملةً” لن ننساكِ يا حطّينُ!”. مرّةً أخرى توالتْ إشاراتُ الإعجابِ وتلتْها تعقيباتٌ جمّةٌ من أشخاصٍ من البلادِ والمهجرِ.
بدأ زملاؤُهُ في المدرسةِ يستفسرونَ عن سرِّ هذهِ الصّورِ، وازديادِ عددِ متابعي صفحتهِ، ابتسمَ ابتسامةً تنمُّ عن حسرةٍ وقال لهم:” سأحدّثُكُمْ ذاتَ يومٍ عن قريتي حطّين.