مقالات
سابقةٌ بخطوة .. رياض الصالح
لقد حان وقتيَ الآن .. فقد مللت من ثرثرتك المترفة .. و انسيابك الهادر بقوة .. يا عزيزي.. ثم إني راجعت ذوقي كثيراً قبل أن أقرر ضرورة معرفتك بما يطحنني من أفكار و أنا أحلّلُ ما ينقشه صرير قلمك على صفحة قلبي …
لا أعلم حتى متى سأطاوع رغبتي في إبعادك عن مرمى سهام ملامتي .. فقد كسَرَت يدايَ قوسي مراراً .. مع تَمَكُّني من الرماية .. لكن موانعي لا تزال غامضة .. كغموض قشعريرة الحب الذي بيننا ..
صراحتك المتناهية تبهرني .. و تسحرني بهذه السماء التي ترسمها بوضوح و صفاء .. بلا سجعٍ أو جناسٍ أو تناصٍّ أو حتى اقتباس .. تُكثِرُ من ذكرِ الليالي و الظلمات .. و أنتَ أنت .. كلك بهاء و إشراق و دهشة و وضوح ..
حتى متى ستظل في توهماتك المكفهرة .. و أنت شكل الحقيقةِ المُتَهلّلةِ الباشَّة .. لكن ذاتك البريئة لا تزال متعنّتَةً مكابرة.. و نفسك الدافئة لا تبرحُ الشتاءَ .. منكفِئَة .. و نيرانك الحَرّى تُدفيءُ من حولك ثم تُهديكَ الرماد .. يا عزيزي
لا زلتُ حائرةً في صياغةِ مشاعري أمامك .. فأنا لم أعتد على تخيُّلِكَ شخصاً غيري .. فأنت روحٌ مستوردة .. أظنني ذكرتها لك سابقاً .. نعم .. أنت منتج مستورد من كوكبِ الخيالِ المثاليّ البعيد .. لن تتناسب مع أجسادٍ محليَّةٍ واقعيّةٍ مهترئة .. و أجناسٍ لا تعرف عن القيمةِ و الصدقِ و الحقيقة إلا أنها زينةٌ مكلِفَة .. تُقتَنى للمفاخرة فقط و ليس للاستخدام .. فلا تستغرب مدى غرابةَ لونِكَ في لوحَةِ واقعنا .. و لا تُجهِدُ نفسكَ في البوحِ عرضاً و طولا ..
أتريدُ الصراحة ؟.. و أعرف أنها تستهويك !.. فأنت ترهقني حد الجنون .. و أكتب إليك يا عزيزي و أنا مجهدَةٌ متعبةٌ من سبرِ أعماقِ ما أراه فيكَ كلما أطلَّ وجهي و بان على صفحة مياهك الهائجة .. أخشى أن أكون غياهب لاوعيك و أنت تخوض في تناقضاتك .. و لعلني مغارتك الغارقة في رمالك المتحركة .. هل من الممكن أني ساكنةٌ في حروف إيحاءاتك .. هل أنا داؤك أم دواؤك .. راحتك أم تعبك ..
فأنا القابعة في أسرِ لطفك .. السجينةُ في أرضك و سمائك .. المشدوهة ببريق لمعانك و براءتك و صفائك .. فلا تلمني إذا قيدتُ روحي في سيقان أشجارك .. و ألوان غاباتك .. و تنهدات أحزانك .. فقد وجدت ذاتي ممتزجة بذاتك حتى اتخذتُ لونك و طعمك و رائحتك .. لقد استهلكتُ وقودي و استهلكتُك .. لم يعد لديّ و لا لديك بسببي قدرة على تمييز شخصينا .. فأنا أعيش أحلامك .. و خيالك .. و وحدتك .. و عزلتك المرغوبة .. ثم .. أراك و أنت لا تعرف السبب .. لا تستطيع الفكاك من قيودي .. فكنت عليك كمحنة السجين على السجان .. و آلام سلسلة القيد عندما تتعلق باليد العاجزة ..
كنتَ تحرُسُني تلك الليلة القاتمة .. تبعِدُني عن حرائقك المستعرةِ ظلاماً .. و كأنك تمنح نفسك جائزة استحقاق تليقُ بك .. بحفاظك على سلامتي .. رغم جراحك .. فلا يَحِقُّ لي .. يا عزيزي .. أن أدعك بعد اليوم غافلاً .. و أنت تأخذك العزة بما غدوت عليه من سمت جديد .. فقوتك التي أصبحت أقوى من الظروف .. لا تزال غافلة عن ضعفها أمام رغبتي في التمسك بك و الحفاظ عليك دون انتباهك .. أنها تستخدم يداكَ أنت .. و ليس يداي .. حتى لا تبدو ضعيفاً و أنت تراني أكافح دونك وحدي .. و أُعرقلُ تَفَلُّتَكَ منّي.. بِعصاكَ أنت .. فلا تتعجب ..
لا أظنك ستفهم ما أقصد يا عزيزي .. فأنت الرجل المتوهم بالقوة .. و أنا المرأة المتمكنة رغم الضعف .. و سأبقى أمامك لغزاً خفياً .. مهما طالبتني أن أكون على طبيعتي .. فطبيعتي بأصلها فلسفة عميقة .. بديعة الصياغة .. مجهولة التركيب .. حتى على كاتبتها نفسها ..
سأظل دهشتك البارقة .. و لمعتك الخاطفة .. و آفاقك اللامتناهية .. سأظل تكرارك الأبدي .. و صوتك الجهوري الصامت .. و دمعك الزلال الموجع .. سأظل أسبقك في حبي بخطوة .. حتى لو كان حبك الجنوني لي لا متناهي ..
# بقلمي
# رياض الصالح