مكتبة الأدب العربي و العالمي

الوزير نظام الملك

أعتمد عليه ألب أرسلان في الوزارة وكان عالمًا عادلًا حليمًا كثير العفو وكان مجلسه حافلًا بالفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح، وقد أشتهر ببناء المدارس في البلاد وخصَّص لها الكثير من النفقات[16].

“وكان وزير صدق يكرم العلماء والفقراء، ولمَّا عصى الملك شهاب الدولة قتلمش وخرج عن الطاعة، وطمع في أخذ الملك من ألب أرسلان وكان من بني عم طغرلبك، فجمع وحشد واحتفل له ألب أرسلان فقال له الوزير: أيها الملك لا تخف، فإني قد استخدمت لك جندًا ليليًّا يدعون لك وينصرونك بالتوجه في صلواتهم وخلواتهم، وهم العلماء والصلحاء، فطابت نفسه بذلك”[17].

– المدارس النظامية
وقال بعض المؤرخون أنها أنشئت في عهد نظام الملك وقال البعض الآخر أنها أنشئت قبل ذلك بكثير، المهم أنَّ هذه المدارس قامت بدورٍ هامٍّ في تاريخ السلاجقة؛ حيث عملت هذه المدارس على إعداد الإنسان الصالح والمصلح لغيره، وأعتبر هذا الهدف مهمًّا لبناء الأمَّة الصالحة[18].

عناية نظام الملك بالمنشآت المدنية

كان للوزير السلجوقي نظام الملك الطوسي اهتمام كبير بالمنشآت المدنية، خاصة دور العبادة، فبنى كثيراً من المساجد في مختلف البلاد الخاضعة للسلاجقة، كما اهتم بعمارة الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة النبوية، وأقام العديد من الرباطات بالعراق وفارس للعباد والزهاد وأهل الصلاح والفقراء، ورتب لهم ما يحتاجون إليه من غذاء وكساء، وبنى الوزير نظام الملك مارستانًا بمدينة نيسابور

وفاة نظام الملك
بحلول القرن الخامس الهجري كانت فرقة الباطنية الشيعية أو الحشاشين بقيادة حسن الصباح تمثل خطرا داهما على الأمة الإسلامية والمشروع السني، وهو ما فطن إليه نظام الملك جيدا، فعمل من أول يوم على وأد أي تحرك لهذه الأفكار الباطنية الضالة. إذ كان نظام الملك دائما ما يندد أشد التنديد بطائفة الإسماعيلية والتي انحدرت منها الباطنية، ويقول إنها تهدد وحدة الدولة، بل إنه اتهم هذه الطائفة في كتابه (سياسة ناما) بأن زعماءها من نسل المزدكية الشيوعية أهل فارس الساسانية [20].

وعلى الجانب الآخر فقد انتهج الباطنيون / الحشاشون أسلوب الاغتيالات السياسية لكل من يقف عقبة في طريق المد الباطني في بلاد المسلمين، ولم يكن أمامهم في ذلك الوقت إلا نظام الملك، الذي أخذ على عاتقه محاربتهم والقضاء على فتنتهم.

وفي يوم العاشر من رمضان عام 485 هـ، خرج نظام الملك مع السلطان ملكشاه من أصبهان قاصدا بغداد، فاجتاز في بعض طريقه بقرية بالقرب من نهاوند، وحان وقت الإفطار فصلى نظام الْملك الْمغرب فِي هَذِه اللَّيْلَة وَجلسَ على السماط وَعِنْده خلق كثير من الْفُقَهَاء والقراء والصوفية وَأَصْحَاب الْحَوَائِج، فَجعل يذكر شرف الْمَكَان الَّذِي نزلوه من أَرض نهاوند وأخبار الْوَقْعَة الَّتِي كَانَت بِهِ بَين الْفرس وَالْمُسْلِمين فِي زمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمن اسْتشْهد هُنَاكَ من الْأَعْيَان وَيَقُول: “هذا الموضع قُتل فيه خلق كثير من الصحابة زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين فطوبى لمن كان معهم”.

فلما أفطر جاءه صبي ديلمي في هيئة مستغيث ومعه قِصَّة، فدعا له الصبي وسأله تناولها، فمد نظام الملك يده ليأخذها فضربه الصبي بسكين في فؤاده، وهرب الصبي فعثر في طُنُب الخيمة فأخذ فقُتل، وَجَاء السُّلْطَان ملكشاه حِين بلغه الْخَبَر مظْهرا الْحزن والنحيب والبكاء وَجلسَ عِنْد نظام الْملك سَاعَة وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ حَتَّى مَاتَ، فَعَاشَ سعيدا وَمَات شَهِيدا فقيدا حميدا.

وَقَالَ بعض خُدَّامه: كَانَ آخر كَلَام نظام الْملك أَن قَالَ: “لَا تقتلُوا قاتلي فَإِنِّي قد عَفَوْت عَنهُ، وَتشهد وَمَات”. وحُمل رحمه الله إلى أصبهان ودفن بها. فَيُقَال: إِنَّه أول مقتول قتلته الإسماعيلية.

ولما بلغ أهل بغداد موت نظام الملك حزنوا عليه، وجلس الوزير والرؤساء للعزاء ثلاثة أيام ورثاه الشعراء بقصائد، منهم مقاتل بن عطية، قال:

كَــانَ الْوَزِيرُ نِظَـامُ الْمُلْـكِ لُؤْلُؤَةً *** يَتِيمَةً صَاغَهَا الرَّحْمَنُ مِنْ شَرَفِ

عَزَّتْ فَلَمْ تَعـْرِفِ الْأَيَّامُ قِيمَتَهَا *** فَرَدَّهَـا غَيْرَةً مِنـْهُ إِلَى الصَّــدَفِ

فرحم الله الوزير الصالح المصلح الشهيد نظام الملك أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، وجزاه عن الإسلام خيرا الجزاء.
المصدر
[17] ابن كثير: البداية والنهاية 15/793.
[18] د/ علي محمد الصلابي: دولة السلاجقة ص283.

[20] ول ديورانت: قصة الحضارة/ 13/ 316- 317.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق