مقالات

يشغَلُكِ النوم .. رياض الصالح

كعادتك يا عزيزتي .. تغمضين أجفانك في تجاهل تام لعيوني التي تحب استنشاق عبير البحر في عينيك .. عملية استفزاز مقصودٍ تمارسينها كلما تعمقتُ فيها .. أو شارفت على الغرق .. و لا تعلمين أني لا زلت أغرقُ في محيطها الهاديء الذي ليس له قاع و لا قرار ..
معذورة أنت .. فإرهاقات الحياة التي تثاقلت عليك تحني هامة أجفانك.. و تغلق أبواب الواقع القاسي عمداً .. لتحافظ على عدم تسرب أحلامك الضبابية .. ليتني أستطيع الاطلاع على أحلامك .. لا بد أنها قاسية كذلك .. إرهاصات تعكس قسوة الواقع .. مشاهد خاطفة مقتبسة من قصص واقعية ..
قلت لك مراراً أن تركيبة أحلامنا و مكوناتها تكون من نفس عناصر المعادلة التي نكتشفها في مختبرات واقعنا التجريبية .. و لا يتوقف الأمر على ما نراه في منامنا فقط .. بل يتعداه إلى ما نحلم به أن نكون أو أن نفعل .. فنحن أبناء الواقع و صناعته اليدوية .. و بجدارة ..
لا بأس يا عزيزتي .. يكفني أنك تشعرين بالأمان .. و أنت تعلمين أن هنالك شخص يسعى كما تسعين ليحقق لك بعضاً من هذه الأحلام .. لكونه لا يؤمن إلا بالواقع .. و لا يعطي للأحلام أهمية أكبر من كونها مجرد تخيل لنهاية الطريق الذي يسعى بكد للوصول إليه .. و ما كان يعرف نفسه حصناً متيناً حتى سكنت بين ضلوعه .. و دخلت في عالمه الواقعي ..
لا أظنك تعلمين أنك فجرت ثورة في داخله .. نعم .. فقد كان مجرد رجل أعزل في البداية .. لم يكن يسعى إلا للعيش فقط .. مثل الآخرين .. هل ستصدقين الآن أنه كان يضحك ملء شدقيه .. و ينام ملء عينيه بلا أرق .. بل أنه كان يحلم .. و يتذكر التفاصيل .. و يؤمن بالتفسيرات .. و يشغل باله بالمستقبل .. صدقي أو لا تصدقي ..
لكنه الآن ثائرٌ .. أعلن تمرُّدَه على الحياة .. كل شيء بدأ في ذلك المستنقع .. عندما لجأ إليه بعدما أدرك فداحة الصدمات .. و اتضحت له قسوة الحياة أكثر .. كانت غابة كثيفة بالذكريات .. و رطوبةٌ تنمُّ عن رأسٍ آسنٍ لم تطأهُ قدم ثائرٍ من قبل .. لم يكن يعلم أن رأسه سيتسع لآلاف الثوار الذين بدؤوا يتجمعون حول النار التي أشعلها .. و أن هتافاتهم ستنطلق عبر منبره .. و كذلك صفاتهم .. لم يتصور يوماً أنه سيعاد تشكيله مجدداً .. و لن يعود كما كان .. فالثورة إن بدأت .. لا شيء يعود كسابق عهده .. إما نصر .. و إما قمعٌ و إبادة ..
جيد أنه لا زال يشغلك النوم عنّي .. لن أضطر لمشاهدة عينيك الحائرتين .. ثم أوقف ثورتي مضطراً لأحلل عينيك و أنت تسمعين .. فلعلها لا تقنعك مبادئي الثورية .. و لا تلهبك قصص كفاحي .. فينكشف لي فيها مسرحُ ساخر .. أو طاقمٌ تمريضيٌّ مشفِق .. أو جمهرةُ أطباءٍ محلِّلين .. لا أريد أن أرى عينيك .. إلا كما أريد أن أراهما .. حالمتان فقط ..
و دعيني أنا أرعاهما في حصنيَ الثوريِّ المنعزل هذا .. أخالف قواعد السلامة .. و أصنع المعادلة العشوائية .. و أشيعُ الفوضى .. فلعلها خلّاقَةٌ كما يقولون .. لِأكشِف لك بعد حين .. عن مخاض تجربتي في تحقيق أحلامك .. و نتاج اليقظة الواقعية التي تصنع الأحلام .. فنوماً هنيئا..

# بقلم
# رياض الصالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق