مقالات
يد بيد تعمر البلاد / اسماء الياس
محاربة الجهل تحتاج لعقول واعية، وقلوب مليئة بالحب. لأن الجهل مرض يجب استئصاله من الجذور.
إذا تمكنا من القضاء عليه، نكون قد وفرنا على أنفسنا الكثير من المنغصات.
لذلك يجب ألا نفقد الأمل ونعمل حتى نتخلص من شيء اسمه الجريمة التي استشرت في مجتمعنا، حتى أصبحنا ننهض كل يوم على جريمة قتل جديدة.
أمس تم أطلاق النار على شخص يعمل بالحراسة، فأردوه قتيلاً، وأول أمس قتل شخصان بإطلاق عيارات ناريه عليهما. واليوم قتل شابًا في ريعان شبابه من مدينة يافا. حتى متى؟
استفحال الجريمة أصبح يقلقنا، ويقض مضاجعنا. رغم وجود وجهاء الصلح الذين يعملون بقدر استطاعتهم على تقليص الجريمة، أو خلعها من جذورها. لكن لا حياة لمن تنادي.
أصبح الخوف على أبنائنا هو الحافز الوحيد الذي جعلنا نعمل بقدر استطاعتنا على محاربة الجريمة، ووضعها في سلم الأولويات. حتى لا ننسى بأن سلامة أولادنا عندما تنتهي الجريمة ويعم السلام.
اجتمعت مع عامر. وهو زميلي بالصحافة العربية. عملنا معًا على حل الكثير من القضايا التي يمر بها مجتمعنا بشكلٍ عام. وقد كنا مثالاً للصحفيين الذين يحترمون مهنتهم ويقدسونها. لذلك كل مهمة كانت تلقى على أكتافنا كنا نقوم بها على أكمل وجه.
اجتمعنا في ذلك اليوم حتى نتباحث بأبرز القضايا، التي يعاني منها مجتمعنا. من خلاها نلقي الضوء على السبب الرئيسي الذي جعلنا نصبح من المجتمعات الأكثر سفكًا للدماء.
اقترح عامر أن نعمل على تشريح نفسيات وعقليات من يمارسون هذا النوع من الاجرام. حتى نحدد ما هو العلاج المناسب. ونبدأ بتنفيذه.
فكان الأفضل أن نضع خطة نستطيع من خلالها اثبات بأن لكل معضلة يوجد حل. فكانت رؤيتنا الرئيسة البدء برسم مجسم كبير لكي نعمل من خلاله، ونوزع كل امكانياتنا ورصد كل التحركات، من خلال كاميرات المراقبة، حتى نصل بالنهاية لخطة إشفاء.
في البداية واجهتنا صعوبة كبيرة في رصد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى قتل إنسان. رغم كل المعطيات، وان هناك جريمة وسببها يكون بالأغلب عصابات الخاوة أو السوق السوداء. لكن عندما كنا نتوجه للشرطة حتى نستفسر عن السبب الذي راح ضحيته هذا الشاب أو ذاك.
فكانت هنا الصدمة. لم نستدل على القاتل لعدم توفر الأدلة. رغم وجود كاميرات في ذلك المكان، عدا عن علامات لعجلات المركبة. والرصاص الفارغ الذي كان موزعًا بكل مكان. حتى خيل لنا بأننا بقلب معركة حقيقية.
كثيرًا هي حالات القتل التي نسمع عنها يوميًا، ولا مرة كانت دفاعًا عن النفس، بل كلها جرائم قد خطط لها مسبقًا، ودواعيها إما انتقام، أو الاستيلاء على أملاك أو أموال جناها صاحبها من عرق جبينه.
لذلك عندما تحدثنا في الاجتماع الذي بحثنا من خلاله عن حل بشأن ما يحدث في مجتمعنا من حوادث قتل. وقد كانت المبادرة منا نحن “عامر وزياد” أن نعمل سويًا على انهاء هذا الصراع الذي يشهده مجتمعنا من حالات قتل واعدام وسط النهار. مما جعلنا نخاف على أبنائنا من التعرض لرصاصة طائشة قد تأتي من شخص ما يريد قتل شخص ما، لكن الرصاصة قد تصيب شخص مر بالصدفة من ذلك المكان، “ليس له لا بالثور ولا بالطحين”.
تولينا المهمة بشكل جديّ. كما قال المثل “يا قاتل يا مقتول”
وبدأنا بتنفيذ المشروع:
عملنا خلال ساعات النهار والليل شباب تطوعوا من أجل هذه المهمة الإنسانية. فرقة تبدل فرقة، قمنا بتوزيع منشورات توعوية تحفيزية، قدمنا محاضرات تثقيفية. عدا عن مراقبة مخارج ومداخل البلدات العربية، تعاون معنا رؤساء المجالس المحلية والبلديات. وكنا قد استقطبنا مجموعة من الأهالي التي كانت عونًا لنا في مهمتنا. دعينا كل من لديه النخوة والهمة على تصدي هؤلاء القتلة المجرمين.
الشيء الجميل في الموضوع الأيادي التي عملت معنا هم فئات مؤثرة في المجتمع. منهم محامون. وطلاب أكاديميين وأساتذة جامعيين. وأطباء ومهندسين.
وكان هناك دعم من جهات سياسية الأحزاب اليسارية التي عملت معنا ومدت يد العون بمشاركتها بالمظاهرات التي كنا نقوم بها بين الفينة والأخرى. حقنا بالتظاهر وابداء الرأي.
وجدنا الدعم ومساندة من الأهالي خرجنا بمسيرات هتفنا لا للجريمة نعم لتقليص الفجوات بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي. نعم للدفاع عن أولادنا فلذات أكبادنا من أن ينجروا نحو الجريمة. لذلك يجب أن يكون لهم أطر تحتويهم وتبعدهم عن الفراغ الذي يؤدي بالتالي إلى الوقوع في براثن الجريمة.
عملنا بإخلاص. وفرنا طاقات. وهكذا بعد سنة بالتحديد تم القضاء على العنف، وأصبح بالإمكان القول بأننا نسير على الطريق الذي يؤدي في النهاية القضاء على حالات العنف بكل أشكاله. والتي بالتالي جلبت لنا الهدوء والسلام..