مكتبة الأدب العربي و العالمي
عظماء الإسلام اليوم الثالث عشر / مصطفى ابو ستيت
سنستعرض معا كل يوم بإذن الله
نبذة مختصرة عن احد عظماء الاسلام لنقف معا علي روح ودوافع البطولة ولنحيي ذكري العظماء
حفل التاريخ الإسلاميّ على مرّ سنواته بشخصيَّاتٍ عظيمةٍ، عملت بكلِّ جدٍّ وبذلت الكثير في سبيل الله؛ نصرةً للإسلام والمسلمين، ولعلّ من أعظم الشخصيات في الإسلام بعد شخص النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وأعظمهم دورًا في نشر رسالة الإسلام: الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعي
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
١٣ – (خالد بن الوليد) سيف الله المسلول
القائد الأعلى للقوات الإسلامية المقاتلة”
” بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”من خالد بن الوليد إلى مرازبة فارس سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فالحمد للَّه الذي فض خدمتكم وفرق كلمتكم ووهن بأسكم وسلب ملككم، فإذا جاءكم كتابي هذا فابعثوا إلي بالرهن، واعتقدوا مني الذمة، وأجيبوا إلي الجزية فإن لم تفعلوا. . . . فواللَّه الذي لا إله إلا هو. . . لأسيرن إليكم بقوم يحبون الموت كحبكم الحياة! (خالد بن الوليد)
أستاذ العسكرية الإسلامية، والقائد الأعلى لقوات المسلمين المقاتلة ضد إمبراطورية فارس على الجناح الشرقي، والقائد الأعلى للقوات المجاهدة ضد إمبراطورية الروم على الجناح الغربي، والقائد الأعلى للجيوش الإسلامية الموحدة في حروب الردة، إنه قائد معركة “اليرموك” الخالدة، وقائد معركة “اليمامة” الباسلة، وقائد معركة “ذات السلاسل” التاريخية، وقاهر صحراء “الأنبار” القاحلة، وقائد معركة “مؤتة” المجيدة التي انتصر فيها بثلاثة آلاف مجاهد فقط ضد خُمس المليون من الروم وحلفائهم، إنه سيف اللَّه المسلول، إنه صاحب الذكر الحميد، والنصر المجيد، إنه البطل الإسلامي الصنديد. . . . خالد بن الوليد.
قبل أن نخوض في بحار بطولات هذا البطل العظيم، أرى أنه من الأهمية بمكان أن نذكر شيئًا عن تاريخه قبل الإسلام، لنرى كيف يغير الإسلام الإنسان تغييرًا جذريًا، فيحوله من أكبر حاقد على الإسلام إلى سيف من سيوف اللَّه ينشر راية التوحيد في سائر الأرض. وخالد هو ابن (الوليد ابن المغيرة) أعظم رجل في قريش، والوليد هذا هو أحد الرجلين العظيمين الذين تمنى المشركون أن لو كان هو النبي في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)}. ورغم أن الوليد كان من أغنى أغنياء العرب، إلّا أن ابنه خالد لم يركن لثراء أبيه، فكان يذهب إلى الصحراء القاحلة يدرب نفسه على القتال والصلابة، فقد كانت عشيرة “بني مخزوم” التي ينتمي إليها خالد هي المسئولة عن الأمور العسكرية في مكة، هذا ما دعا خالدَ ليقود جيش المشركين إلى الانتصار في أحد، بل إن خالد أراد قتل الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- شخصيًا عند “الحديبية”، إلا أن اللَّه عصم رسوله من سيف خالد يوم أن شرع صلاة الخوف. وبعد إسلامه شارك هذا البطل العربي كجندي بسيط في معركة “مؤتة” تحت قيادة ثلاثة أبطالٍ أسطوريين، ليتسلم خالد بن الوليد القيادة بعد استشهاد “الفرسان الثلاثة” فقام خالد بوضع خطة حربية اعتبرت معجزة من المعجزات العسكرية، هذه الخطة ما زالت تدرَّس في الكليات العسكرية في كل أنحاء العالم، فلقد انتصر خالد بثلاثة آلاف مجاهد أمام مائتي ألف مقاتل نصراني من الروم وحلفائهم من نصارى الشام! ولكي تدرك مدى براعة تلك الخطة وسبب اختيارها لتدرَّس في المعاهد العسكرية، ينبغي عليك أن تذهب معي بخيالك إلى جنوب الأردن، وبالتحديد إلى مؤتة على بعد ١٣٠ كم إلى الجنوب من العاصمة الأردنية “عمان”، هناك يتواجد مائتا ألف مقاتل من الروم ونصارى الشام المتحالفين معهم، وفي وسط هذه المعمعة توجد مجموعة محاصرة من العرب لا تكاد ترى من كثرة الروم من حولهم والذين يقدرون بـ ٦٦ ضعفًا، ليقاتل المسلمون الروم حتى جاءت عتمة الليل، عندها جاءت ساعة الصفر للتنفيذ. . . .
الخطة الخالدية
أولا: جعل خالد بن الوليد الخيلَ تجري في أرض المعركة طوال الليل لتثيرَ الغبار الكثيف، لكي يتسنى له خداع الرومان بأن هناك مددًا قد جاء للمسلمين من المدينة!
ثانيًا: غَيَّر خالد من ترتيب الجيش، فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة، وجعل المقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، وحين رأى الرومان هذه الأمور في الصباح، ورأوا
الرايات والوجوه والهيئة قد تغيَّرت، أيقنوا أن هناك مددًا قد جاء للمسلمين، فهبطت معنوياتهم تمامًا!
ثالثًا: جعل خالد في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعةً من الجنود المسلمين فوق أحد التلال، منتشرين على مساحة عريضة، ليس لهم من شغل إلا إثارة الغبار والتكبير بصوت عالٍ لإيهام الرومان بالمدد المستمر الذي يأتي للمسلمين من المدينة!
رابعًا: بدأ خالد بن الوليد في اليوم التالي للمعركة بالتراجع التدريجي بجيشه إلى عمق الصحراء، الأمر الذي شعر معه الرومان بأن خالدًا يستدرجهم إلى كمين في الصحراء، فترددوا في متابعته، وقد وقفوا على أرض مؤتة يشاهدون انسحاب خالد، دون أن يجرءوا على مهاجمته أو متابعته!!
هناك قذف اللَّه الرعب في قلوب القوات النصرانية المتحالفة من روم ونصارى العرب، فقد كانوا يحاربون ثلاثة آلاف بالأمس من دون أن يتغلبوا عليهم، فكيف إذا جاءت قوات إضافية إليهم من المدينة؟! عندها انتصر المسلمون على الروم، وفتح اللَّه على خالد وجنده هذا الفتح العظيم، وغنم المسلمون مغانم كثيرة من هذا الفتح، والغريب في الأمر أن عدد شهداء المسلمين في هذه المعركة هو ١٢ شهيدًا فقط من بينهم القادة الثلاث رحمهم اللَّه جميعًا، بينما يكفى لكي تقدر ضخامة عدد ضحايا الروم أن تعلم أن تسعة أسياف قد انكسرت في يدي البطل خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه- وحده من كثرة الجماجم التي دقها بسيوفه حتى انكسر السيف بعد السيف في زنديه، آخذا في عين الاعتبار أن خالد بن الوليد كان يقاتل بسيفين في يديه تمامًا مثل الزبير بن العوام (ولم يعرف ذلك عن أحد غيرهما من المسلمين)، فهل لك أن تتخيل عدد الروم الصرعى تحت سيوف خالد التسعة قبل أن يقاتل بصفيحة (خنجر) يماني بقي معه؟ هذا بغض النظر عن العدد الذي قتله بقية الجيش المجاهد!
ومن الأردن إلى نجد، وبالتحديد إلى اليمامة، هناك حيث ادَّعى (مسيلمة الكذاب) النبوة، أصبح مستقبل الإسلام في خطر لولا أن سخر اللَّه للإنسانية (أبا بكر الصديق) -رضي اللَّه عنه-، حيث طلب أبو بكر من الجيوش الإسلامية أن تتحد في اليمامة تحت قيادة خالد ابن الوليد، لينتصر المسلمون في موقعة اليمامة بقيادة هذا البطل العظيم.
وهذه نبذه مختصرة عن حياة وبطولات هذا الصحابي الجليلي.. رضي الله عنه وارضاه
مصطفى ابو ستيت