مقالات

إِيهِ أَيَّتُها الشَّجَرَةِ! أنْتِ يَنْبُوعُ الْحَياةِ وَسِرُّ وُجودِها،

أ. لطفي منصور

إِيهِ أَيَّتُها الشَّجَرَةِ! أنْتِ يَنْبُوعُ الْحَياةِ وَسِرُّ وُجودِها، كُنْتِ بَذْرَةً بَيْنَ شُقوقِ الصُّخورِ، لا تكادين أنْ تُرَيْ، وَفَجْأةً امْتَدَّ مِنْكِ خَيْطُ الْوُجُودِ، وَبَدَأَ يَرْضَعُ مِنْ عَسَلِ أُمِّكِ وَأِمِّ الْخَليقَةِ كُلِّها، وَتَرَعْرَعْتِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وامْتَدَّتْ رَكائِزُكِ تَتَشَبَّثُ بالْحَياةِ، لأنَّكِ عالِمَةٌ بما ينتظِرُكِ مِنْ أعاصير، وفِي يَوْمٍ مُشْرِقٍ بالْجَمالِ الأبَدِيِّ، زانَتهُ الشَّمْسُ بنورِها. والسَّماءُ بِوَبْلِها أَطَلَّ رَأسُكِ على الدِّنيا، فانبهرَ الْكَوْنُ جمالًا للْمولودِ الْجديدِ، وما أنْ نَشَقْتِ من أُكْسيرِ الْحَياةِ حتّى زِدْتِ نورًا وبهاءً، وأخذْتِ تَعْلِينَ في سماءِ الْحُبِّ والبهجةِ، وتكتسينَ بِحُلَلٍ ياقوتيَّةٍ، سبحانَ بارِئِها، وامتدَتْ أطرافُكِ في الْهواءِ تُحيطُ بكِ، وقد زُيِّنَت بزهورِ اللّازَوردِ، تنفُثُ الْمِسكَ ومَلأَ نَشْرُكِ وطيبُك الأجواءَ، فاشتمَّتْها طيورُ السَّماءِ وظباءُ الْبوادي، فَهُرِعَتْ جميعًا لِتَأْوِيَ إلَيْكِ.
أنْتِ الْمَحَبَّةُ أيَّتُها الشَّجَرَةُ، لم تَبْخَلي على جيرانكِ بشيء. ومن فَرطِ حُبِّكِ امتلأت أياديك بالثَّمَرِ اليانِعِ بكلِّ مذاقٍ. أياديكِ ممدودةٌ بالخيرِ، فَفي ظِلِّكِ الْوارِفِ نتفَيَّأُ، وَمِنْ ثَمَرُكِ الْجَنِيِّ نَتَغَذَّى.
ما أعظَمَكِ أيَّتُها الشجرَةُ الخضراءُ أمُّنا الرَّؤومُ، لا تبخلينَ بنفسِكِ على من حَوْلَكِ، فأنتِ وَقودُ الْحَياةِ، وأنتِ الأصلُ والنَّوْعُ والرِّزْقُ والدواء.
والْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ من قومٍ يجعلونكِ على هامشِ الْحَياةِ، ومنهم يُقَطِّعُ أياديَ الْخيرِ مِنْكَ، وآخرونَ يجتثّونك من أمِّكِ الأَرْضِ ليُحرِموكِ من الْحياة التي أنتِ أساسُها. لا لشيءٍ إِلَّا لفعلكِ الْجميلِ، ولصنيعك الحسنِ معِ الآخرين.
تَبًّا لِقَوْمٍ لا يقدِّرونَ وجودَكِ في الْحَياةِ، ولا يسهرونَ على سلامَتِكِ، ولا يولونَكِ محبَّتَهم، واهتمامَهم بما يبقيكِ سعيدَةً بَهيَّةً شابَّةً، تَأخُذُ ما تستحقُّ وتُعْطي دُونَ طلَبٍ لِأنَّ طَبيعَتَها مِعْطاءةٌ كالشَّمْسِ ونورِها.
سَلِمْتِ أيَّتُها الشَّجَرَةُ الزَّكِيَّةُ. فَأنْتِ الْجَدَّةُ والأُمُ والزّوْجَةٌ والبنتُ والأُخْتُ والحفيدَةُ. وَمَنْ لا يُكْرِمُكِ لا أكْرَمَهُ اللّهْ ولا أبلغَهُ مَأْواهْ.
بمناسبة الثامن من آذار عيد المرأةِ الْعالَميّ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق