مكتبة الأدب العربي و العالمي

صمتٌ وضياع! الدكتورة روز اليوسف شعبان

صمتٌ ثقيل يطبق على أنفاسي، الأجواء من حولي مشحونةٌ بالغضب، صراخٌ هنا، عويلٌ هناك، أصوات الرصاص تقرع طبلة أذني، سيارات الإسعاف، سيارات الشرطة.. هلعٌ شديد في الطرقات، ورغم كل ذلك أشعر بصمت قاتل.
أنظر بذهول من حولي، أصغي السمع لعلّ أصواتًا أخرى غير الرصاص والعويل تخترق أذني، لكن دون جدوى.
أين أنا؟ في أي بقعةٍ من هذا الكون أتواجد؟ من أكون؟ أأنا الضحيّة أم الجلّاد؟ لماذا يخنقني هذا الصمت؟
حرت في أمري، كيف أضعت هويتي؟ كيف فقدت معالم وطني؟ من يقودني؟ وإلى أين؟
اشتدّ الصراخ والعويل وبدأ يقطّع نياط قلبي، ألي قلب؟ تساءلت في حيرة، كيف أسمع العويل وأصمت؟
ركبت صهوة جنوني وحلّقت في الآفاق، فلربما أجد تعليلا لهذا الصمت الخانق، أو ربما أكتشف هويتي الضائعة!!
لا أدري كيف وصلت الى مكان معتم، كل ما حولي ظلام، الوجوه غائرة في العتمة، لا أميّزها، لا أعرفها! تساءلت: أين أنا؟ من أنتم؟ ماذا تريدون مني؟
قال أحدهم: ألست تبحث عن هويتك الضالة؟ ألا تريد أن تفك لغز الصمت الذي يخنقك؟
قلت : بلا، ولكن من أنت؟ من أنتم؟ ما هذه الوجوه الغائرة في العتمة؟
أجابوا بصوت واحد: نحن من سيأخذك الى النور، سننقذك من الصمت، سنهبك كنوزًا لا تفنى! قصورا وسيارات فارهة….
قلت: هل ستعيد لي الكنوز هويتي؟ وهل سأتخلّص من هذا الصمت الخانق؟
قالوا: نعم،
قلت وما الضمان؟
قالوا: خذ هذا السلاح واطلق الرصاص منه عندما نعطيك إشارة.، وسننقلك إلى حياة الرفاهية والنعيم؛ فتنسى فيها هذا العالم.
– أنا أطلق الرصاص؟
– نعم أنت.
– ولماذا أطلق الرصاص؟ على من؟
– على أي شخص لا يستجيب لطلباتنا ورغباتنا.
– لا يمكنني إطلاق الرصاص، لا لن أفعل.
– بل ستفعل.
– دعوني أفكر. اطلقوا سراحي وسأعود اليكم.
مثقلا بالهموم، مخنوقا بالصمت، عدت إلى نفسي، نظرت حولي، كان الظلام يغشى اليابسة، ارتعبت، تسارعت دقّات قلبي، هرولت مسرعًا لا أدري إلى أين، أهرب والصمت يلاحقني، العتمة تعميني، شيءٌ ما اخترق صدري،، ألمٌ حادّ ألمّ بي، سقطت أرضًا، وغبت في عالم آخر.
صحوت على صوت دافءٍ حنون يقول لي: حمدا لله على سلامتك!
قلت: من أنتِ؟ أين أنا؟ لماذا السلامة؟ ماذا حصل لي؟
– أحضرك رجال الإسعاف الى المستشفى في ساعة متأخرة من الليل.
– لماذا؟ ماذا حصل لي؟
– لا أعرف التفاصيل، لكني الطبيبة التي عالجتك ، أجريت لك عملية جراحية في صدرك إثر نزيفٍ حادٍّ فيه، هناك رصاصة أصابتك فيه، وقد نجحنا في إخراجها.
– يا الهي! رصاصة!!
– لا عليك! لا تتحدث الآن، عليك أن ترتاح. المهم أننا أنقذنا حياتك.
– سأتركك لترتاح قليلًا؛ وسأعود بعد ساعة للاطمئنان عليك.
– أشكرك مرّة أخرى.
نظرت من زجاج النافذة المغلقة بإحكام بجانب سريري، كانت الشمس تتربع في كبد السماء، الشوارع تضج بالسيارات والسابلة، حاولت أن أتذكر ماذا حدث لي، أين كنت؟ لماذا سقطت؟ شيئا فشيئا بدأت الذكريات تعود اليّ، الظلام، الوجوه الغائرة في العتمة، الأموال، الرصاص، السيارات الفارهة، لكني لا أذكر من أنا، من أطلق الرصاص عليّ؟ ولماذا؟
أأنا الجلّاد أم الضحيةّ؟ اغرورقت عيناي بالدموع، أغمضتهما وعدت أبحث عن ذاتي، بدأت صور الأموال والسيارات الفارهة تتضاءل شيئًا فشيئًا، ومعها تختفي الوجوه الغائرة في العتمة.

روز اليوسف شعبان
26/7/23

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق