مقالات
“رُبَّ ضارَّةٍ نافِعة / المحامي حسن عبادي
وصلت سجن “مجيدو” الساعة الحادية عشرة صباحًا للقاء الأسير عزمي سهل عزمي نفاع، فوجئت حين أخبرتني السجّانة بعد ثلاثة فحوصات دقيقة بأنّه غير موجود في السجن، فرحت للحظة وتخيّلته قد تحرّر وهممت بمواصلة طريقي إلى جنين للقائه هناك، وفجأة فيّقتني تلك السجانة من حلمي لتخبرني بأنّه في جولة علاجيّة في مستشفى رمبام، وتناول مديرها إيال سمّاعة الهاتف ليعتذر عن هذا الخلل، وطلب أن أعود عصر اليوم، إن أمكن.
عدت إلى حيفا لبضع ساعات ورجعت ثانية إلى السجن، وعاملوني هذه المرّة معاملة ال VIP (تلك الكلمة التي بتُ أمقتها) والتقيت مباشرة بعزمي (مواليد 21/02/1994) الذي أطلّ مستغربًا لهويّة الزائر الضيف ولساعة الزيارة المتأخّرة.
حدّثني عزمي عن درب الآلام الذي عبره منذ اختراق تلك الرصاصة الغاشمة لفمه وتفتيت فكّه العلوي وشفتيه، ومذّاك حُرم من تناول الطعام بشكل طبيعي ليصير رهين جهاز خلاط يهرس طعامه، وحرم من العلاج الطبي لفترة طويلة، ورغم اللجوء للمحكمة العليا أصرّت سلطة السجون على المماطلة وتعذيبه، والمحكمة رفضت إلزام سلطة السجون بتكاليف العلاج، وبعد جهد جهيد من قبل العائلة، بمساعدة جمعيّة “أطباء لحقوق الإنسان”، ودفع مبلغ ثلاثين ألف شاقل (تمويل ذاتي من العائلة) تم “ترميم” الفك العلوي بزراعة وتركيب طقم أسنان وينتظر عمليّة أخرى لتحرير الشفّة. يا لها من رحلة عذاب شرحها يطول.
تعلم العبريّة داخل السجن، يقرأ صحيفة “يديعوت أحرونوت” ومجلة “لإيشة”، فاللغة تكسر الحواجز، ويستعمل المفرمة ككتّابة ليقرأ، وحدّثني عن انطباعاته من رواية “الشيطانة” ورواية “أنا، هي والأخريات”، وعن نجاحه في إتمام دراسة القانون (جامعة النجاح) داخل السجن، ومن ثم حصوله على بكالوريوس خدمة اجتماعية (جامعة القدس المفتوحة).
أخبرني عن رحلات العلاج إلى المستشفى، لكنّها تمنحه فرصة التجوال في شوارع حيفا الجميلة وفرصة أجمل لمشاهدة بحرها عن قرب، قائلًا “رُبَّ ضارَّةٍ نافِعة”، وعن حلمه بلبس العباءة السوداء ليترافع في المحاكم، وشعاره؛ احلم واعمل على تحقيق حلمك.
يحلم عزمي بأكلة شيش برك ووعدته بتجهيزها له، مع لحمة وصيامي، في يوم حريّته.
لك عزيزي عزمي أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا في حيفا بعيدًا عن المستشفى وعلاجاته.
حيفا 24 آب 2022