مقالات
أزمة الفرد والمجتمع في روايات سناء الشعلان (بنت نعيمة)
بقلم: الباحث واصف علي/ جامعة عالية/ قسم اللّغة العربيّة/ كلكتا/ الهند.
تبدو أزمة الفرد والمجتمع في روايات سناء الشّعلان محوراً أساسيّاً في بناء الشّكل والفكرة في رواياتها: أَدْرَكَهَا النّسيانُ، وأَعْشَقُنِي، والسّقوط في الشّمس، وهذا المحور هو الذي يدور الصّراع حوله في رواياتها، كما هو من يرسم ملامح الإنسان والمجتمع، ويظهر شكل العلاقة بينهما، وهي غالب ما تكون علاقة صداميّة قائمة على الرّفض، ومحاولة المجتمع لإلغاء الفرد وتذويبه، في حين يتفاوت موقف الإنسان في روايات سناء الشّعلان من الصّدام والرّفض والثّورة إلى القبول والانصياع والذّل على الرّغم من أنّ سناء الشّعلان تحاول الهروب من المواجهة مع القوى الاجتماعيّة والسّياسيّة الضّاغطة بأن تستخدم الرّموز والأقنعة والإحالات إلى درجة إلى أنّنا لا نعرف أماكن أو أزمان أو شخوص رواياتها إلى من خلال تلمحيات وتهويمات لا تحيل إلى مكان أو نظام بعينه، إلّا أنّها تفتح التّأويل على كلّ زمان ومكان تنطبق عليه شروط الاستلاب والظّلم، ومن هذا المنطلق يبدو العالم كلّه برموزه وشخوصه وأحداثه متورّطاً في لعبة الاتّهام والتّعرية والفضح التي تقوم بها الشّعلان في رواياتها بكلّ جرأة ذكيّة تقول كلّ ما تريد بمواربة دون صدام مباشر مع قوى ضاغطة لا تستطيع مجابهة مباشرة بكلّ تأكيد.
لكن سناء الشّعلان لا تغرق في التّعمية والتّرميز المبهم المغلق على الإحالات، بل تترك الباب مشرعاً على الرّمز والدّلالة إلى حدّ لا يخطئ المتلقّي في فهم الإحالات بوضوح دون أن تصرّح بها.
يقودنا هذا كلّه إلى التّفصيل التّالي عن أزّمة الفرد في العوالم المجتمعيّة في روايات سناء الشعلان، وهي: أَدْرَكَهَا النّسيانُ، وأَْشَقُنِي، والسّقوط في الشّمس:
1 – أزمة الإنسان الضّعيف أيّاً كان شكل الضّعف؛ أكان الضّعف ماديّاً أم جسديّاً، أم ضعف الإمكانات والمكتسبات والقوى الجسديّة والإبداعيّة والفكريّة في مجتمع ظالم مهيمن يشكّل منفى وألم للإنسان، ويقهره بكلّ شكل ممكن، وهذا واضح في معاناة بطلي رواية (أَدْرَكَهَا النّسيانُ)(الضّحّاك وبهاء) وسائر المستضعفين في الرّواية، كما هو واضح في أزمة (شمس وخالد) في رواية (أَعْشَقُنِي)، وبطلي رواية السّقوط في الشّمس اللّذين لم نعرف لها اسماً في الرّواية غير ضميري: هو وهي.
2- أزمة المرأة الضّعيفة (بهاء وأمّها وأمثالها من النّساء المستعبدات) في مجتمع انتهازيّ أبويّ يسلبها كلّ شيء حتى كرامتها وشرفها ولقمة عيشها ومن ثمّ يسلبها حياتها في كثير من الأحيان، إلى جانب أزمة الإنسان الشّريف في مواقفه الحياتيّة المختلفة في أحداث الرّوايات كاملة عند سناء الشّعلان.
3- أزمة الإنسان المصلح الثّائر الذي ينتهي الأمر به بأن يكون مغتصباً أو سجيناً أو حتى ميتاً في معتقلات الظّلم والقهر والاستبداد، أمثال: (الضّحاك) ووالده والرّجال الثّائرين في أجواء المعتقلات في رواية (أَدْرَكَهَا النّسيانُ)، أو أجواء الاعتقال والتّعذيب والقتل والاغتيال والتّصفية الجسديّة حدّ الموت كما حدث مع الثّوّار والمطالبين بالحريّة ضدّ ظلم حكم مجرّة درب التّبّانة في رواية (أَعْشَقُنِي)، ومثل بطليها (بهاء وخالد)، أو ضدّ الثّوار الفلسطينيين في معتقلات الاستعمار الصّهيونيّ الغاشم في فلسطين كما في رواية (السّقوط في الشّمس).
4- أزمة المشاعر والأحاسيس والحبّ الحقيقيّ في مجتمعات ماديّة حسيّة جنسيّة حيوانيّة تحطّ من قيمة المشاعر، وترفع من قيمة ابتذال الجسد مقابل المال والمصالح والمتكسبات إلى حدّ تعهير المجتمع بكامل أطيافه، مثال على ذلك (بهاء) (وشمس) و(هي) ونساء الرّوايات في نماذج ومستويات اجتماعيّة وفكريّة وإنسانيّة مختلفة روايات (أَدْرَكَهَا النّسيانُ) و(أَعْشَقُنِي)، و(السّقوط في الشّمس).
5- أزمة الإنسان المبدع في مجتمع متغوّل متوحشّ إلى حدّ أنّ الإنسان يلجأ إلى أن يبيع إبداعه، ويجعل منه قلماً مأجوراً لمن يدفع أكثر، أو لمن يحميه في مجتمع سلطويّ يغتال كلّ شيء حتى الموهبة والإبداع، ومثال على ذلك: شخصيّة (بهاء) بطلة رواية (أَدْرَكَهَا النّسيانُ) التي اضطرت إلى أن تكون قلماً مأجوراً لتحصّل لقمة عيشها، لتمارس بذلك بغاء ثقافيّاً إبداعيّاً عندما كبرتْ، وشاختْ، وعجّزت، وذوى شبابها، وزهد الرّجال في جسدها، وما بقيتْ تملك غير قلمها وإبداعها وموهبتها في الكتابة لتتاجر بها مقابل أرخص الأسعار إلى حدّ أنّها باعت إبداعها وقلمها لتحصل على منحة علاج لها من مرض السّرطان في مجتمع سلطويّ ظالم لا يوفّر لمواطنه الشّريف أقلّ حقوقه الإنسانيّة مثل العلاج من المرض بالمجّان.
كذلك شخصيّة (بهاء) التي وجهتْ فتك إدارة حكم مجرّة درب التّبانة كاملة؛ لأنّها كاتبة موهوبة تريد أن تكتب ما تشاء وكيفما تشاء، وكذلك البطلة (هي) في رواية (السّقوط في الشّمس) التي كانتْ تمارس الكتابة سرّاً للتّنفيس عن حزنها وحرمانها في يأسها وحزنها وحرمانها من الحبّ ممّن أحبّتْ على الرّغم من إخلاصها وتضحيتها بحياتها ومن ثمّ عمرها في سبيل هذا الحبّ، وهذا ما حصل تماماً مع (بهاء) في رواية (أَدْرَكَهَا النّسيانُ) و(شمس) في رواية (أَعْشَقُنِي)؛ إذ ضحّت الأولى بحياتها وشرفها وسعادتها لأجل حريّة قلمها، في حين ضحّت الثّانية بحياتها لأجل ذلك، ولم ينجُ من هذا القدر الأسود سوى (الضّحّاك) في رواية (أَدْرَكَهَا النّسيانُ)؛ لأنّ حظّه الجيّد قاده إلى الهروب من طغيان مجتمعات الشّرق المحرق إلى عدالة نسبيّة في عوالم الغرب التي تطلق عليها الشّعلان اسم عوالم الثّلج.
الأمر ذاته حدثّ مع (خالد) بطل رواية (أَعْشَقُنِي) الذي لجأ إلى الهرب والاختفاء كي ينجو من مصير الاغتيال الذي واجهته عشيقته الثّائرة المبدعة ذات لقب النبيّة (شمس)، في حين أنّ (هو) بطل رواية (السّقوط في الشّمس) لم يمارس الكتابة والإبداع؛ فنجا من مصير المعاناة والمكابدة والاستلاب الذي وجهه سائر أبطال روايات سناء الشّعلان التي تكاد تقول إنّ الإبداع الصّادق المستنير يساوي المعاناة والعذاب والسّحق في الشّرق المتخلّف الاستبداديّ.
6- هذا المجتمع الذي تصوّره الشّعلان بهذا التّغوّل والسّلطويّة والظّلم والقسوة في رواياتها يؤدّي إلى أزمة دائمة ومعذّبة في حياة الفرد/ الإنسان/ المواطن، وهي أزمة الحرمان الدّائم والخوف الملازم؛ فهو محروم من أقلّ حقوقه من المكتسبات والكرامة والحريّة والإخاء والأمن والاحترام والعزّة وتلبية أبسط حقوقه الإنسانيّة وحاجاته اليوميّة الاعتياديّة، وفي ذات الوقت هو خائف ممّا يحيط به من قوى الظّلم والاستبداد والحرمان والاستلاب التي تقضي على فرحه وكرامته ووجوده، وتحوّل وجوده إلى عذاب وامتساخ، وسرعان ما تسير به للمرض والمعاناة ثم الموت، بل القتل والتصفية الجسديّة في كثير من الأوقات.
إذن نحن أمام ملاحم حقيقيّة من الصّراع المحتدم في أقسى أشكاله بين الإنسان والمجتمع في روايات سناء الشّعلان؛ وهو صراع سوداويّ متشائم؛ يُهزم فيه الفرد المبدع الخلّاق الشّريف الثّائر على الظّلم والطّغيان أمام قوى الظّلم والاستبداد المختلفة، وقلما ينجو الإنسانالشّريف من هذا المصير الأسود، وهو – وفق رأي الشّعلان- لا ينجو إلّا بحبّ عظيم يقدّم معادلاً موضوعيّاً للسّعادة، أو بالهروب من عوالم الظّلم والمعاناة؛ إمّا بالموت كما حدث مع (شمس) في رواية (أَعْشَقُنِي)، أو (هي) في رواية (السّقوط في الشّمس)، أو بالهروب من عوالم الظّلم في الشّرق إلى مساحات الحريّة المقبولة عند الآخر في الغرب كما حدث مع (الضّحّاك وبهاء) في رواية (أَدْرَكَهَا النّسيانُ)، و(خالد وباسل المهريّ) في رواية (أَعْشَقُنِي)؛ وهي جميعها مصائر مأساويّة بطريقة أو بالأخرى؛ لأنّ الأصل للإنسان أن لا يعذّب أو يقتل أو يهرب من وطنه، بل يجب أن يعيش فيه بحريّة وسعادة وكرامة وعدالة؛ وهنا بالتّحديد تتجلّى كارثيّة مصائر الشّخصيّات في عوالم سناء الشّعلان الرّوائيّة التي تعيش أزمات متتالية مركّبة مستمرّة تعذّبها إلى حدّ الانهيار والموت.
المصادر: