– برغم سلسلة العقوبات الغربية على روسيا التي واكبها فرض التحدي الميداني ، إلا أن النواقص التي صبغت تلك العقوبات باتت أكبر بكثير من من ما تم تدبيره في المطبخ الغربي ، فقد زادت قائمة العقوبات على روسيا من تداعيات المرحلة القادمة التي تنبئ بفصل شتاء قد يدخل “المنطقة الحمراء” في أوروبا ، خصوصاً بعد تحذيرات جدّية من الإعلام الغربي الذي بدأ يُنبه من منطقة خطرة في الشتاء القادم الأمر الذي يعكس حجم الفشل الغربي في شد خيوط أوكرانيا تجاه الوضع الدولي ، إذ لم يكن كلام صحيفة فانيشيال تايمز مجرد تحذير فقط ، و التي ذكرت بأن شركة “شل” البريطانية باتت تدرك حجم الخطر الذي يواجهها في روسيا ، إذ كانت تأمل في ما سبق ببيع حصتها لشركاء صينيين ، مما جعل المهمة أصعب بكثير بعد تأميم حقل سخالين 2 ، حيث تم إستبدال شركة سخالين للطاقة التي كانت تدير مشروعاً مشتركاً بين شركات غازبروم الروسية و “شل” البريطانية و ميتسوي و ميتسوبيشي اليابانيتين بكيان قانوني روسي و نقل ملكية أصول الشركة إلى روسيا الإتحادية ، فهذا الإجراء الروسي يُعد درساً قاسيا جداً لمجموعة دول العقوبات الغربية التي ظنت بأن السلاسل التقييدية على موسكو ستمكن الغرب من إسقاط روسيا ، و هو الأمر الذي فشل فيه الغرب بمجمل معسكره من تحقيقه ، بل بدأت فصول الإرتداد القاسية بالعودة إلى مفاصل الدول الأوروبية الإقتصادية و الشعبية و حتى البنيوية ، فنقل الأصول الروسية هو تحذير كبير لمنتجي الطاقة من الدول المعادية لموسكو ممن يحاولون بيع أصولهم بسرعة بضرورة أن لا يبقوا منتجين وهمين ، وهو الأمر الذي لم يكن بحساب الدول المعادية لروسيا التي تحضّرت لكل السيناريوهات الغربية ، فقد باتت إجتماعات الرئيس بايدن في شلوس إلماو جنوب ألمانيا و مناقشة المخاوف الإستراتيجية بشأن روسيا و الصين لمواجهة مبادرة الحزام و الطريق في الدول النامية بمبلغ 600 مليار دولار كمن يرشق رأسه بالحجارة ، حيث ذكرت صحيفة “فورين بوليسي” في تمهيدة عسكرية بأن روسيا ستكون في وضع متميز لأنها تمتلك أسلحة نووية تكتيكية أكثر مما تمتلكه الولايات المتحدة ، مما يتتطلب من صانعي السياسة الأمريكيين التفكير جدياً بما يسمى “القوات الإستراتيجية” من الصواريخ العابرة للقارات أو القاذفات العملاقة الإستراتيجية ، خصوصاً بعد فشل إختبار صاروخ أمريكي تفوق سرعته سرعة الصوت في الولايات المتحدة في قرع أجراس الإنذار في كل من روسيا و الصين ، وهو الإختبار الفاشل الثاني في هاواي في 29/يونيو المنصرم بسبب فشل نظام الإشعال بالجسم المنزلق الذي إختبرته واشنطن سابقاً في ميدان صورايخ باسيفيك في هاواي بحسب ما ذكرته صحف غربية ، و بالتالي فإن أحد الخيارات الإنتقامية الإستراتيجية الأمريكية قد فشلت مجدداً في أن تكون خياراً للرد و لو بإطار المخاطر العالية ، فأوروبا المذعورة من دعوة برلين لترشيد و تقنين إستهلاك الطاقة ، تنظر بشكل كبير لأثار مخاوف الفصل القادم على القارة العجوز كشتاء بلا دفئ ، و بدأت مخاوف العجز في منتجات الطاقة تأخذ طريقها بقوة في الأوساط الإقتصادية و الشعبوية و السياسية و بالأخص الألمانية التي تستورد ثلث نفطها و أكثر من 65% من غازها الروسي المصدر ، و التي تعتمد فيه على دوران عجلة الإقتصاد ، فالخطأ بالحسابات و الإتكاء على واشنطن في عزل روسيا قد أوصل أوروبا لمرحلة ” وجَنَت على نفسها براقش ” ، لأن روسيا حتى الآن تستخدم نفس السلاح الموجه ضدها من الغرب و هو النفط و الغاز ، حيث سيصل الجسم الأوروبي لمرحلة قريبة ليجد نفسه بعد سلسلة العقوبات غير قادر على تأمين الإستغناء عن سوق الطاقة الروسي بعد فشل كل مساعي إيجاد طاقة بديلة بتكلفة باهظة و لسنوات طويلة ، و هو ما يجعله معوّضاً خجولاً لتأمين حاجة أوروبا التي عارضت العقود الطويلة الآجل التي سبق و أبرمتها شركة غازبروم الروسية ، فالعودة الأوروبية لمناجم الفحم في ألمانيا و بولندا و النمسا سيستغرق عقوداً طويلة و كوادر و أموالاً كبيرة لبدء العمل به ، و من المستحيل الوصول به إلى الحجم المطلوب لتأمين الإستهلاك في فصل الشتاء القريب ، و هو ما يجعل الإعتماد على المدد القطري المشروط بضمانات مرفوضة أوروبياً أو المحاولة باللعب في الميدان التركي كساحة تقبل المدفوعات الروسية بالإنضمام إلى نظام العقوبات على روسيا مجرد حيز فقد أجله ، و هو ما يجعل السلاح الذي تمتطيه واشنطن من العقوبات المدخل الوحيد الذي تستطيع واشنطن تفعيله في مرحلة ضيّق الوقت أمام أوروبا ، هذا إذا لم يطفو على السطح سعي الكثيرين من الدول المتعاونة مع الولايات المتحدة للتخلص من سندات الحكومة الأمريكية خشيه إستخدامها بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع روسيا مما سيغير موازين القوة في الكثير من مناطق العالم ، فهو ما تحاول واشنطن تعويضه في إعادة هيكلة تحالفات آخرى في الشرق الأوسط و المحيط الهادئ لمحاصرة الصين و روسيا معاً ، حيث أثبتت المخططات الأمريكية فشلها في تحقيق الأهداف بشكل واضح ، و على نفس الخُطى تمشي القارة العجوز التي تتشدد حتى الآن في توقيع الشركة الألمانية إتفاقية مع شركة الغاز الأمريكية بشأن توريد الغاز الطبيعي المسال لمدة عشرين عاماً ، لكن بعد تخلصهم من الوقود الإحفوري لن تجد بداً أوروبا من القبول بالضمانات القطرية و ربما التركية لاحقاً ، و التي ستواجه القارة العجوز قريباً مرحلة محرجة و هي دخول الأرجنتين و غيرها من الدول إلى خماسية “البريكس” مما يمهد الطريق لدخول دول مثل المكسيك و أندونيسيا و إيران و غيرهم في مجموعة البريكس التي تنافس بقوة مجموعة الدول السبع التي تعتمد عليها أوروبا كلياً في بقاء رئتها قيد العمل ، مما جعل الدعوة الهنغارية للإتحاد الأوروبي بوقف مسار التصادم مع روسيا دعوة حقيقية قد وصل فيها الوضع الأوروبي إلى نقطة “أن الرجوع إلى البيت وحيداً في الشتاء ، لم يُعد آمناً ” !!